جريدة الجرائد

لغز عبدالناصر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خلف الحربي

قاد ديغول المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني وأعاد لبلاده مكانتها العالمية المرموقة بعد الكوارث التي عايشتها في الحرب العالمية الثانية، وقاد أتاتورك جنوده لتحرير الأراضي التركية التي أُحتلت أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم أطلق مسيرة الحداثة والعلمانية في تركيا الجديدة. أما جمال عبدالناصر فقد خسر في معاركه العسكرية فضاعت سيناء وغزة والضفة الغربية، وتحولت مصر من دولة ملكية غنية منفتحة على العالم أجمع ومتقدمة على الشرق كله إلى جمهورية عسكرية بوليسية لا تستغني عن المساعدات الخارجية، فكيف حاز عبدالناصر على هذه المكانة الأسطورية في نفوس العرب من المحيط إلى الخليج وليس في مصر وحدها؟.

إنها نظرية (لك اللحم ولنا العظم) الذي يقولها والد التلميذ العربي للمعلم في المدرسة، فليس مهما في الذهنية العربية ما يفعله القائد بشعبه: يفقرهم.. يعذبهم.. يلقي بهم في عتمات السجون.. كل هذا غير مهم ما دام هذا القائد يعلن أنه ضد القوى الاستعمارية والصهيونية، إنها الرغبة العجيبة في البحث عن عزة الأمة وكرامتها المسلوبة حتى لو كان الطريق إلى هذه العزة يستلزم إذلال الشعب وإفقاره.. لم يكن عبدالناصر الزعيم العربي الوحيد الذي يلغي كرامة المواطن لصالح الكرامة المنشودة للأمة، ولكنه كان الأيقونة التي ألهمت بقية الزعماء العرب طوال نصف قرن، حيث تهتف الشعوب التي لا تجد قوت يومها باسم ضابطها الكبير وتؤكد أنها تفديه (بالروح.. بالدم)، وتقدم له خيرة شبابها كي يحرقهم في مغامراته العسكرية وحين يخسر المعركة تبدأ الجرائد بإلقاء اللوم على المؤامرات الخارجية والخيانات الداخلية، فتخرج الجماهير مرة أخرى لتهتف أمام قصر الضابط المهزم: (بالروح.. بالدم) كي تقهر الأعداء المنتصرين!.

واليوم في الذكرى المئوية لميلاد جمال عبدالناصر تبدو صورة الزعيم المصري والعربي الأبرز في التاريخ الحديث لغزا يصعب تفكيكه، فهو في أدبيات القوميين العرب قائدا تاريخيا فوق النقد، بينما يظهر في أدبيات الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي كسفاح لا يعرف الرحمة، أما الأجيال الجديدة فلا يعني لها عبدالناصر شيئا، لأنه لم يترك أثرا جوهريا يرشدهم إليه... وهكذا إذا كانت صفحات التاريخ تهتم بصناع الأمل فإن عبدالناصر يكون في مقدمة الصفوف.. أما إذا كانت صفحات التاريخ تهتم بالنتائج على أرض الواقع فإن الأمر لن يكون في صالح عبدالناصر.

رحم الله جمال عبدالناصر فقد كان صرخة صادقة نتج عنها ملايين الصرخات الصادقة والكاذبة في بلاد العرب، وما زال في الحناجر العربية طاقة هائلة لإنتاج المزيد من الصراخ، بينما السواعد العربية ما زالت عاجزة عن الفعل!.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الغائب الحاضر
علي البصري -

يوم خرجت – دامعة وموجوعة ومفجوعة – تشيعه الى مثواه الاخير عام 1970.بعد نيف واربعين عاماً، يُثبت هذا الرجل انه كان الارجح عقلاً، والابعد نظراً، والاحد بصيرة، والاحصف بوصلة، حين اعلن "ان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وان المشروع العدواني الصهيوني لا يقبل المهادنة ولا يتقبل السلام، وان الامبريالية الامريكية المحكومة لحقيقتها الرأسمالية المستغلة، ولفيزيائها الامبريالية الوحشية، لن تضع نفسها الا في الخندق الاسرائيلي، ولن تعقد تحالفاتها الا مع اشرار العالم، ولن تقبل من الدول العربية والاسلامية الا الخضوع لجبروتها، والتسليم بالهيمنة اليهودية على الشرق باسره.لقد عقمت امتنا العربية بالوقت الحاضر عن انجاب الزعماء الكبار، وعجزت عن مواصلة درب عبد الناصر، واسلمت امرها لمن لا يعرف قدرها، ودخلت في سبات وطني وقومي ينذر بالهلاك.. ولولا وجود منائر هنا ومشاعل هناك وهنك، لما خيم في سماوات امتنا سوى الخيبة والعتم واليأس والانهزام.ولكن "ان لله عباداً اذا ارادوا.. اراد"، وان للامم العريقة – مثل امتنا- نواميسها الخاصة وانبعاثاتها الثورية من قلب الرماد.. ولعل لنا في روسيا اسوة وقدوة وقوة مثال، فقبل اقل من عقدين زمنيين كانت روسيا يلتسين تكابد الجوع، وتفتقد الامن، وتتعرض للنهب، وتقترب من التفكك، غير ان رجلاً واحداً قوياً ووطنياً اسمه بوتين دخل سريعاً على خط الازمة، واوقف على الفور مسار الانهيار، وتصدى للخونة والفاسدين والمافيات بكل مسؤولية ورجولة واقتدار، وشكل رافعة عملاقة انتشلت بلاد تولستوي ولينين وبوشكين وبطرس الاكبر من مهاوي المذلة والانكسار الى اعالي الرفعة والسيادة والاستقرار والازدهار.وفي الاخير، جدير بنا ان نحتفل بمئوية ميلاد "ابي خالد"، ولكن يحزننا ان لا يتواجد بيننا الا في صيغة "الضمير الغائب"، ويهمنا ان نؤكد له – بهذه المناسبة- انه كان على الدوام ذا الهمة الذي احيا امة.