جريدة الجرائد

إعادة النظر في المشكلة النووية الإيرانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أمير طاهري

أسفر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تمديد رفع بعض العقوبات على إيران لمدة 120 يوماً أخرى، عن فتح باب النقاش القديم بشأن «ما الذي يجب فعله حيال إيران». وفي حين أن البعض قد أدان الرئيس ترمب لتجديده تخفيف العقوبات على الملالي، فإن البعض الآخر قد عنفوه بكلام قاس بسبب دعوته لإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الذي أقره الرئيس الأسبق باراك أوباما.
إن فتح باب النقاش حول «ما الذي يجب فعله حيال إيران» بكل هدوء وبطريقة بناءة لن يكون سهلاً لعدد من الأسباب.

السبب الأول أن المسألة الإيرانية قد أصبحت وثيقة الصلة بالولايات المتحدة، والأسوأ من ذلك، أنها باتت وثيقة الصلة في الآونة الأخيرة بشخصية الرئيس الأميركي نفسه.

وكما نعلم جميعاً، مهما كانت المسألة التي ترتبط بالولايات المتحدة، حتى ولو عن بعد، فإنها تترقى للأفضل أو تنحدر للأسوأ.
على سبيل المثال، لم يعبأ أحد عندما قتل مليون شخص في رواندا، أو تعرض مجتمع بأسره للنزوح في بورما بأسلوب التطهير العرقي.

فلم تكن الولايات المتحدة، ولن تكون، مهتمة بالأمر.

وتكثر رحلات السيدة فيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى رانغون ليس لأجل العمل على تخفيف معاناة الروهينغا، ولكن من أجل توجيه الانتقادات للولايات المتحدة بشأن «تهديد الاتفاق النووي مع إيران». ويدعو الفاتيكان إلى احترام الاتفاق النووي المبرم، ولكنه يحرص على عدم ذكر لفظة «الروهينغا».

وفي كل دولة تقريباً يوجد هناك دائرة نشطة تعمل ضد الولايات المتحدة، وهي التي تحكم على كل حادثة من حيث ارتباطها بالولايات المتحدة من عدمه.

وبالنسبة لهذه الدائرة فإن الخدعة تكمن في أن ترى ما تراه الولايات المتحدة ثم التفوه بعكس ذلك تماماً.
على سبيل المثال، كان جيرمي كوربين زعيم حزب العمال البريطاني يفكر لفترة وجيزة في الإعراب عن لفتة لطيفة من التعاطف إزاء الشباب والفقراء الإيرانيين الذين كانوا يصارعون نظام حكم الملالي في طهران قبل أسبوع أو نحوه. وفي خاتمة المطاف، رغم كل شيء، رفض كوربين انتقاد الملالي مباشرة بسبب أن الولايات المتحدة قد أعربت عن تعاطفها مع المتظاهرين.
وبمجرد بروز المسألة الإيرانية على سطح الأحداث فإنها سرعان ما تتحول إلى هراوة لمعاقبة «الشيطان الأكبر»، أو كما يحلو للسيد كوربين وصفها بـ«القوة الإمبريالية المتنمرة».

والسبب الثاني الذي يجعل من النقاش حول المسألة الإيرانية محفوفاً بالمخاطر هو أنه أصبح مرتبطاً بالانقسام الحزبي المرير في معترك السياسات الأميركية.

وبالنسبة لأحد الجانبين، لا بد من دفن الاتفاق النووي تماماً لسبب وحيد وهو أنه كان وليد السيد أوباما. وعلى الجانب الآخر، لا بد من المحافظة على الاتفاق النووي كما لو كان نصاً مقدساً بسبب أن الرئيس ترمب قد تعهد بتمزيقه والتخلص منه. ولذلك، دعونا ننظر ما إذا كنا نستطيع التفكير في مسألة الاتفاق النووي بالحد الأدنى الممكن من الهدوء.

وبادئ ذي بدء دعونا نستخدم شيئاً يسيراً من التقريع الأميركي وقسوة الرئيس ترمب لطمأنة الدوائر المناوئة للولايات المتحدة ولرئيس الولايات المتحدة.

على النحو التالي: الولايات المتحدة هي «الوحش الإمبريالي الذي يلتهم الكرة الرضية التهاماً» والذي يرغب في ابتلاع بلداناً مثل كوريا الشمالية، وكوبا، وبطبيعة الحال، إيران تحت حكم الزمرة الخمينية.

بعد ذلك، دونالد ترمب ليس إلا كائناً مفترساً يتحدى حفنة من الفتيان المسالمين أمثال عشيرة فيدل كاسترو في هافانا، وقبيلة كيم في بيونغ يانغ، وحاشية المرشد الأعلى في طهران. وبعد حالة الارتياح التي بلغها كارهو الولايات المتحدة والرئيس ترمب، دعونا نرَ ما الذي يجري بشأن الاتفاق النووي.

في بداية الأمر فإن الاتفاق النووي غير ملزم من الناحية القانونية نظراً لأنه تم التفاوض بشأنه بواسطة مجموعة دول 5+1، وهي مجموعة غير رسمية ولا يوجد إطار قانوني لها، وليس هناك بيان واضح لمهمتها، وهي غير مسؤولة أمام أي جهة من الجهات على الإطلاق. ولقد خرج عن المجموعة بيان صحافي يحمل عنوان «خطة العمل الشاملة المشتركة» في 176 صفحة، من ثلاث نسخ مختلفة، تلك التي لم يوقع عليها أي شخص ولم تصادق عليها أي سلطة تشريعية في أي دولة من الدول المعنية.
وتعهدت إيران، في البيان الصحافي المذكور، بالاضطلاع بعدد من الأمور للتأكد من أن مشروعها النووي لن يكون له بُعد عسكري.

ولقد التزمت إيران الوفاء ببعض هذه الوعود في حين أنها تجاهلت بكل هدوء الوفاء بالبعض الآخر.

وكانت النتيجة أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال يحمل بُعده العسكري التقليدي. وتستمر إيران في تخصيب مخزونها من اليورانيوم، الذي، ولأنه من درجة جودة متدنية بنسبة لا تتجاوز 5 في المائة بكثير، يعتبر غير ذي جدوى في خدمة الأغراض الطبية أو الصناعية. كما أنه غير صالح لاستخدامه وقوداً بسبب أن إيران لا تملك محطات للطاقة النووية. (والمحطة النووية الوحيدة لدى إيران تحصل على إمدادات الوقود النووي من روسيا التي شيدت المحطة بنفسها. واليورانيوم الإيراني المخصب هو من كود مختلف تماماً عن الوقود الذي يغذي المحطة النووية التي شيدتها روسيا).

والسبب الثاني هو أن إيران تعمل على تطوير جيلين مختلفين من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وبسبب أنه يسهل تركيب الرؤوس الحربية صغيرة الحجم عليها، فهي تعتبر ذات جدوى من الناحية العسكرية إن تم تركيب الرؤوس النووية عليها.
ولا يزال خطر قيام إيران بتطوير الترسانة النووية قائماً. (وهذا، بطبيعة الحال، من حقوق إيران إن رغبت في ذلك. ولكن خطة العمل الشاملة المشتركة تفترض أن إيران لا ترغب في أن تتحول إلى قوة نووية).

وفي المقابل، فإن مجموعة دول 5+1، وهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، كان من المفترض أن يقوموا بتنفيذ عدد من الأمور لتخفيف العقوبات المفروضة على إيران بسبب انتهاكها معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وإنهم، أيضاً، قد استوفوا بعضاً من هذه الوعود ولكن بدرجة غير كافية لإحداث فارق كبير بقدر ما تهتم إيران بالأمر.

وكما غشت إيران في خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن مجموعة دول 5+1 قد احتالت على إيران. فلم يتم إلغاء أي عقوبة من العقوبات الدولية المفروضة، ولم يُسمح لإيران إلا بإنفاق جزء طفيف من أموالها المجمدة وبتصريح من مجموعة دول 5+1. وبسبب آلية الارتداد السريع التي يمكن بموجبها إعادة فرض العقوبات الدولية على الفور، حتى تلك العقوبات التي تم رفعها بصفة مؤقتة، أصبح قلة قليلة من الناس يرغبون في الاستثمار داخل إيران.

ولا تتعلق المسألة بما إذا كان الاتفاق النووي جيداً أو سيئاً، بل إن الأمر يتعلق بأن «هراء» باراك أوباما لم يُفلح في شيء ومن غير المرجح له أن يسفر عن شيء.

فلا جدوى من إعادة إعمال السكين في الجرح: فإن الاتفاق النووي سيئ بالنسبة إلى إيران، وإلى مجموعة دول 5+1، وإلى العالم بأسره.

إن المشكلة النووية الإيرانية تستلزم المعالجة بطريقة نزيهة، وجادة، وسخية بغية تلبية المطالب المشروعة لجميع الأطراف المعنية. مما يعني الحاجة إلى إعادة التفاوض ولكن على نطاق أوسع. وهذا ما يقترحه الرئيس ترمب، وهو الشخصية المكروهة الذي يهاجم وسائل الإعلام الرئيسية، ويستخدم اللغة القاسية في تصريحاته وخطاباته.
حتى أكثر الناس احترافاً ممن يكرهون دونالد ترمب سوف يجدون صعوبة بالغة في رفض اقتراحه بأن الاتفاق النووي الحالي «معيب» وفي حاجة إلى إعادة النظر بشأنه.

ولكن يجب عليهم أولا أن يعرفوا كيفية ترويض كراهيتهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف