يمن ما بعد صالح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن الطريري
انتهاء التحالف بين الحوثيين وصالح كانت مسألة محسومة، لكن الحوثيين اضطروا للإبقاء عليه حيا، من أجل الغطاء السياسي الذي يقدمه لهم كرئيس سابق للجمهورية لأكثر من 3 عقود، وللإفادة من العلاقات الخارجية التي يمتلكها كثير من المؤتمريين الذين ظلوا إلى جواره.
لكن منذ دخول الحوثيين صنعاء في 21 سبتمبر 2014، ظلوا يتغلغلون في المؤسسات الحكومية، وحتى حين أعلنوا عن حكومة مشتركة بين الحوثيين وصالح، كانوا يضعون لجنة ثورية للوزارات التابعة لصالح، يكون لها الإشراف والقرار النهائي في الوزارة، وكان شعور الحوثيين حينها أن رصيد صالح يتآكل، وستتم التضحية به بمجرد استهلاك كامل الرصيد.
والحقيقة أن الرئيس الراحل لم يغتل حين قصف الحوثيون منزله ديسمبر الماضي، بل اغتيل قبلها في احتفالات المؤتمر الشعبي بذكرى تأسيسه، والجمع الغفير الذي اكتظ به الميدان مما صدم الحوثيين، وباقي الفرقاء اليمنيين على حد سواء، لأن الجميع صدم من شعبية صالح بعد تنحيه عن الحكم بسنوات، مع الإدراك أن هذا الحشد شعبي، ولم يكن صالح قادرا على حشد عسكري مماثل.
كان الحوثيون يعدون لاحتفال مماثل ومتزامن مع الذكرى الـ35 لحزب المؤتمر، لكنها كانت أقل عددا وتأثيرا، وعندها دخلت المنافسة على صنعاء حيزا عسكريا، فانطلقت الاشتباكات وبدأت إستراتيجية الحوثيين باستهداف القادة العسكريين المقربين من صالح، والقادرين على إيلام الحوثيين عسكريا لو اشتدت الاشتباكات، فكانت تصفية العميد «خالد الرضي» مدير مكتب أحمد علي عبدالله صالح، وخسر الحوثيون كذلك عدة عناصر جراء الاشتباكات.
فكان أن تدخل حينها حسن نصر الله، للوساطة بين طرفي الانقلاب، ولدى إيران وذراعها حزب الله فهم لصالح، ولكونه شخصا انتهازيا وسياسيا ماكرا، لكن لا هو ولا أنصار المؤتمر متعلقون بأجندات خارجية، وبالتالي غير مضموني الولاء، وبالتالي كان اتصال نصر الله بمثابة إعلان اغتيال صالح، بشكل ينهي فكرة الجمهورية التي يمثلها صالح، بطريقة لا تختلف عن اغتيال الحريري إلا بصعوبة اتهام إسرائيل بذلك.
خلال سنوات التحالف بين الحوثيين وصالح، سعى الحوثيون كثيرا لأن يرثوا شعبية صالح، ولم يكن ذلك ليحدث إلا لو تسبب التحالف في اغتياله، لكن كل محاولاتهم فشلت، وانتفاضة صالح الأخيرة كانت صادمة لهم، وربما لو استمرت أسبوعا إضافيا لسقطت صنعاء من بين أيديهم.
سياسيا كان لدى الحوثيين إدراك أن المفاوضات تتم بين 3 أطراف لا طرفين، الشرعية وصالح والحوثيين، وهذا يعني حصة أقل وفرصا أضعف لإبقاء حظوة السلاح، وبالتالي يأتي اغتيال صالح فرصة لإنضاج حل سياسي على مقاسهم، خصوصا أن العاصمة باقية في أيديهم.
ولإيجاد ضغط دولي يدفع نحو حل سياسي، عمل الحوثيون على إستراتيجية إيرانية، تهدف إلى إفقار اليمنيين وإحداث حالة مجاعة، والإسهام في انتشار داء الكوليرا، من ذلك قرار القياديين الحوثيين عبدالعزيز الديلمي، ونشوان العطاب، وكيلي وزارة الصحة، بعدم جدوى تنفيذ أي حملة لقاحات للكوليرا، تزامنا مع وصول طائرة شحن تابعة لمنظمة برنامج الغذاء العالمي، تحوي مساعدات من ضمنها لقاحات وأدوية خاصة بوباء الكوليرا.
لذلك يأتي نشاط مركز الملك سلمان المستمر، والوديعة الأخيرة بملياري دولار من المملكة، كخطوة مهمة لدعم الاقتصاد اليمني، وحماية المواطن اليمني من شفير الهاوية الذي تدفعه لها إيران، وينفذه الحوثيون بكل وحشية.
نجاح العميد طارق صالح في الخروج من صنعاء، رغم نشر الحوثيين لصوره وطلب رأسه بأي ثمن، لهو مؤشر على انعدام قدرة الحوثيين على السيطرة على صنعاء بالكامل، عوضا عن باقي المناطق التي تحت سيطرتهم، وتحولهم إلى إستراتيجية الأولويات، وبالتالي تغطية الحي السياسي وأغلب مناطق جنوب صنعاء، وإخلاء بعض نقاط التفتيش، بل وجلب أكثر من 100 عربة فيها مقاتلون من صعدة إلى صنعاء دعما لاشتباكاتهم مع صالح.
حسم المعركة عسكريا وإنهاء معاناة اليمنيين من ميليشيات الحوثيين، يستلزم قطع طريق الإمدادات بين صنعاء وصعدة، التي يبدو أن الحوثيين ما زالوا يعتبرونها المخزن الرئيسي للأسلحة، وكذلك سيطرة الشرعية على ميناء الحديدة، الذي يمثل مشكلة لأن الكثير من المنظمات تطالب بإبقائه مفتوحا لإدخال المساعدات، لكن لا أحد يتحرك لجعله تحت إشراف دولي يضمن عدم دخول الأسلحة للحوثيين.
قتل الحوثيون صالح لإنهاء انتفاضته المتأخرة عليهم، ولكن نجاة العميد طارق فرصة في إحياء الانتفاضة عليهم داخل مناطق سيطرتهم، بالتوازي مع عمليات التحالف والجيش الوطني، لأنه لا حل سياسيا يريده الحوثيون أو يفهمونه إلا بهزيمة عسكرية.