أشواق الثقافة.. لأحضان الكويت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله بشارة
نظَّم المجلس الوطني للفنون والثقافة والآداب ندوة عن مستقبل الثقافة في العالم العربي، ودورها في تنوير المجتمعات بضرورات التغيير واستيعاب مفاهيم الانسانية، وفي جلسة خاصة عن الكويت ودورها، كان نصيبي ترؤس الجلسة التي شارك فيها الأستاذ عبدالعزيز السريع، والأستاذ خليل حيدر، والدكتور سليمان عبدالمنعم من مصر.
وبصراحة، فإننا انشغلنا منذ تحرير الكويت باعادة بناء الكويت وعودة الحيوية التي ترافقها دائماً، وكانت الأولوية منذ التحرير لتضميد الجراح والتعالي على آلامها وإظهار التصميم على تحصين الكويت وجعلها مأتما لمن يتحرّش بها، مع رسم طريق سياسي عربي مخالف لما كانت عليه الحالة قبل الغزو، بتدشين نظام عربي سياسي وثقافي جديد لا موقع فيه للدكتاتوريات ولا للنظم الاستبدادية المحمولة بالبنادق، ولا مكان لنظام حزبي واحد فاشستي على طريقة البعث أو لمجموعات تخلط الدين بالسياسة، وتتحزب لنظام سلفي رجعي واقصائي، مع رفض من لا شرعية له داخل المجموعة العربية في إطار جامعتها، مستذكرين واقع الجامعة قبل إسقاط نظام صدام المتواجد داخل قاعاتها، رغم جريمته التي حطمت الجامعة وأحلامها، وبجانبه نظام القذافي وبشار وعلي عبدالله صالح، وغيرهم.
والحق ان الثقافة لم تنجُ من عدوان نظم الاستبداد في الشرق وفي شمال أفريقيا؛ فقد تحرّكت هذه الانظمة لتسخير الثقافة لاهدافها وألحقت المفكرين في عداد المصفقين والهتافة ليس بالضرورة بالتصفيق العلني، وإنما بالحروف والكلمات عبر المسرحيات التي تضخ الأهداف وتمجد أنظمة متمردة على قيم الأديان وحقوق الانسان ومبادئ الكرامة، مع مناصرة اعلامية عنيفة لتدين الخصوم بالمتوحش من التعبيرات وتحريض ممجوج ضد طبقات من المجتمع مع بناء جدران بين مجتمعاتها، وبين منابع العلم والمعرفة وحقائق التنوير في أوروبا وغيرها.
حملت ندوة الكويت الشوق الكويتي الصافي لمفاهيم الثقافة الانسانية الجامعة الرابطة بين الشعوب والناقلة للفكر المستقبلي المرتكز على رجاحة العقل وهضم المستجدات، من المبتكرات في العلوم وفي الفنون، ولم يخيب المشاركون، لا سيما الباحث خليل حيدر والكاتب عبدالعزيز السريع، أملنا في تقديم سجل استذكاري رائع عن المؤسسين لحياة الثقافة الكويتية منذ مطلع القرن العشرين المطعمة بالمبادئ العليا للثقافة في التصدي للظلم والدفاع عن قضايا الأمة، ليس في الكويت، وإنما في مجتمعات العراق وحوض الشام ومصر، في تحرك عروبي صادق مع ابتهاج سياسي وفكري في نهاية الامبراطورية العثمانية، وملاحقة أحداث مصر منذ عهد سعد زغلول، مع الاشادة بدور الوافدين في الكويت في الثلاثينات ثم فتح النوادي القومية وطلائع جماعة الدكتور أحمد الخطيب، بتسلسل تاريخي موضوعي استخرجه الكاتبان من سجلات التاريخ التي دونت حقائق الثقافة في بيئة الكويت الحديثة.
نعود الآن بعد نجاحنا في لملمة جروحنا، متحدين أعراض الماضي باليقين في المستقبل، مدركين دورنا الكويتي في إعادة الكويت إلى دور الرافعة للقيم الانسانية الثقافية وفي تصويب المسار الثقافي العربي، بالعمل على تخليص الثقافة من احتكار المستبدين لها، واشهار المحتوى الثقافي الناصح في وجه المستبدين الذين دمّروا السياسة وخطفوا طموحات المجتمع، وحصّنوا حكمهم بقسوة العنف، مع تطبيق وسائل العبودية والاذلال والانبهار بعظمة السلطة.
وشعرت، من خلال هذه الندوة، بأن عيون المشاركين الذين جاءوا من شمال أفريقيا ومصر ومن الشام والعراق، ومن الخليج، مركزة على الكويت في أمل استعادة الدور الانساني المميز عبر قنوات الثقافة.
ولا أشك في أن هذه المجموعة الصغيرة التي كانت داخل القاعة والتي تحمل الشوق إلى دور الكويت في تحريك الثقافة العربية نحو القيم العالية في العلاقات الانسانية، تعبّر بصدق عن مشاعر جماعية في المجتمعات العربية، وأقول إنني شعرت بإلحاح وبشيء من العتاب لانشغالنا في ترميم ما دمّره الغزو، متجاهلين الصوت العربي الصادق في سرعة العودة إلى ما كانت عليه الكويت.
وهؤلاء الذين جاءوا إلى الكويت على علم بأن ما يجدونه في الكويت غير متوافر في المجتمعات الأخرى، لا نقصد المادة، وإنما نعني البيئة المنفتحة التي شيدها الأوائل منذ عشرينات القرن الماضي، والتي رسخت إيمانا بالحرية وشغفاً بالانسانية، وترجمت هذا الشغف بمؤسسات تعنى بالثقافة وتشجع الابداع وتكرم الانسان، وتحترم مشاعر الأحزان والوجدان، كما نقرأها في قصص الكتاب الكويتيين الذين نشطوا مؤخراً نحو التوجه لتأليف روايات فيها عمق نحو الوله المجتمعي لتجاوز قضايا حياتية.
ومن الإنصاف أن أشيد بما قدمه د.سليمان عبدالمنعم، من احصائيات عن موقع الدول العربية في اقتصاديات الثقافة والابداع، معتمداً على ما أصدرته مؤسسة الفكر العربي، حيث تتفوق تركيا على عشر دول عربية مجتمعة في انتاج السلع الابداعية التي تترجم قدرة الدولة على الابتكار، والابداع.
وفي نهاية الجلسة صدر ما نطلق عليه اعلان الكويت الثقافي من ثماني توصيات؛ أهمها ــــ في نظري الدعوة ــــ إلى بناء مشروع ثقافي عربي لمواجهة التحديات والاختراقات التي تواجهها الأمة العربية، تعني صرخة الحرية العربية.