جريدة الجرائد

أنقرة في مواجهة أكراد سورية ... أيُّ عدالة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

شورش درويش

 تبدّلت الوقائع على الأرض في غير صالح تركيا، فانكسرت القوى التي عوّلت عليها في تحجيم الحضور الكردي وتقهقرت بحيث أصبحت عرضة للهزيمة المبرمة. وفوق ذلك تمكّن النظام السوري من المحافظة على حضوره، ودائماً عبر دعم حلفائه، لتصبح تركيا إزاء خصم بات من الصعب اقتلاعه بعدما شبّ عن الطوق وبات يحكم ثلث مساحة سورية، اي ما يقارب ثلاثة أضعاف مساحة لبنان، تشدّ من أزره قوات التحالف الدولي وفي طليعتها الولايات المتحدة.

مع دخول روسيا عسكرياً على خطّ الأزمــــة، أتقنت نكء الجرح التركي الغائر فــــي سورية عبر مد يد العون للقوات الكـــردية وحمايتها مراراً في مواجهة التــدخــل التركي المباشر وغير المباشر، الأمر الذي ساهم في ما بات يعرف بـ «استدارات» الرئيس التركي أردوغان وتحوّله إلى حلف سورياليّ يجمع كل التناقضات العصيّة على الأفهام، ليقف مع روسيا وإيران اللتين لولاهما لتضعضع بنيان النظام وربما هوى إلى غير رجعة. إلى ذلك لم يعد أردوغان يعير أدنــــى اهتمام للموقف الأخلاقي أو السمعة السيئة التي سيجنيها جرّاء تشبيك علاقاته بنظرائه في موسكو وطهران. فالمهم والعاجل والملّح هو كسر مشروع الكيان الكردي جنوب حدوده، ووقف تمدّده واتساعه، بل إيجاد بدائل تدفع أميركا إلى التخلي عن دعم القوات الكردية. وإذا كانت أنقرة قدمت تنازلات كبرى لأجل وقف تمدد القوات الكردية صوب شاطئ البحر الأبيض المتوسط، فإن تنازلات أكبر قدمتها لروسيا في سبيل إنهاء أي دور مستقبلي لهذه القوات، وربما نجحت التنازلات المقدّمة لروسيا، والتي سبق أن قُدمت لها حلب في مقابل جيوب في جرابلس والباب وأعزاز، في قطع الطريق على تمدد القوات الكردية.

قبل إطلاق عمليّة «غصن الزيتون» الرامية إلى اجتياح عفرين بمشاركة ميليشيات درع الفرات الموالية لها، لم تتوقف أنقرة عن تهديد عفرين، ودفع العصائب السورية المسلّحة الموالية لها إلى تضييق الخناق عليها. فعفرين التي باتت مناط اهتمام تركيا تبدو، بحسب الفهم التركي، اللقمة السائغة التي تبحث عنها تحقيقاً لأي نصر على الأكراد جنوباً، حيث لا تتواجد فيها قوات للتحالف الدولي، وتقع في المنطقة التي تتبع النفوذ الروسي، وفقاً لخطوط التواجد الأميركي – الروسي. إلّا أن عفرين تمتلك، كما تعلم تركيا، مقومات الصمود من خلال الإعداد الكردي المثابر للمقاتلين والتحامهم بالحاضنة الشعبية وإمكانية خوض حرب مغاوير مفتوحة الأمد تساهم فيها الطبيعة الجبلية للمنطقة، الأمر الذي قد يجعل من فكرة «اللقمة السائغة» مثار جدل. ولا تخفى، والحال هذه، طبيعة الروح القتالية العالية لدى المقاتلين الأكراد الذين أطلقوا على مواجهتهم للاجتياح التركي تسمية عملية «صيد الثعالب»، رداً على عملية «غصن الزيتون» التركية. ومهما يكن من أمر عفرين ومصيرها فإن اللقمة الأكبر والعصيّة على الالتهام في نظر ساسة تركيا تبقى القامشلي (قامشلو) بما هي العاصمة الوجدانيّة لكرد سورية، وهي المكافئ الفعلي للحواضر الكردية في تركيا والعراق وإيران، بما تحمله من رمزية المكان والتأثير.

ليست القامشلي بالمدينة الكبرى التي تضاهي إسطنبول وأنقرة، لكنها بلا شك، في المخيال التركي الحاكم، صنو ديار بكر (آمد) معقل الحركة القومية الكردية في تركيا، كما أن القامشلي ليست المتروبول القومي الكردي كما حال مهاباد وأربيل، لكنها مركز القرار القومي الكردي على مدار ما يزيد عن النصف قرن. لذا فإن كانت العيون التركية شاخصة صوب عفرين وتقصفها عبر سلاح الجو والمدافع، فإن العقل مشدود إلى القامشلي. ولذا فإن ما يؤرّق تركيا وأردوغان في هذه الغضون هو الحلف الكردي– الأميركي، الذي لم يعد تقدير استمراره ممكناً بالنظر إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين الذين أكّدوا بقاء قواتهم ومستشاريهم في الفترة التي تلي الإجهاز على داعش، ما يعني أن قوس العلاقة المفتوح هذا سيدفع بتركيا إلى التخوّف أكثر من الأدوار التي قد تناط بالقامشلي.

في مقابل التخوّف التركي من رسوخ الكيان الجديد جنوب حدودها، ثمّة تخوّف كردي من انفضاض العلاقة الكردية الأميركية، وإمكانية حصول اتفاقات تلي ذلك بين النظام السوري وتركيا وفقاً لمعادلة بسيطة تقول بتمكين النظام من استعادة سيطرته على كامل تراب سورية، في مقابل إنهاء الحالة الكردية والتخلّص من حزب الاتحاد الديموقراطي.

لكن وفي مطلق الأحوال، فإن الخشية التركية من حدوث اللامتوقع على الأرض السورية وإمكانية تحول الشمال السوري وبعمقٍ يضم كبرى المدن شرقي الفرات (الحسكة والرقة ودير الزور) إلى كيانٍ راسخ، وبقبول أميركي أوروبي وربما عربيّ خليجي، بات له ما يبرره. فكل التوقعات التي كانت تذهب إلى إمكانية انكسار أكراد سورية ذهبت أدراج الرياح، لكن ما هو غير عادل هنا هو أن تبقى تركيا على عدائها المفتوح للقامشلي الوادعة والتي من غير الممكن أن تتحوّل إلى منصّة عسكريّة أو سياسية تعادي تركيا ذات القوّة والإمكانات الهائلة، كما أن لا عدالة في أن توضع القامشلي إزاء أنقرة، وجهاً لوجه. لكنْ هل صغرت أنقرة إلى هذا الحد، أم أن القامشلي باتت على هذا القدر من الأهميّة؟

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف