الأجانب «لاعبين في البلد»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
زياد الدريس
كنت ألحظ ترديد عبارة: «الأجانب لاعبين في البلد» في حوارات بعض الأصدقاء منذ سنوات قليلة، وإن تزايدت في شكل مريع في السنوات الثلاث الأخيرة. ظننتها نبرة إقصائية خاصة بدول الخليج بسبب كثرة الوافدين والعمالة الأجنبية فيها، لكني وجدت العبارة نفسها متداولة في فرنسا (بلد المساواة والعدالة والحريّة!)، يستخدمها الفرنسيون ضد المهاجرين الأفارقة والعرب المغاربة، والآن ضد الصينيين الذين ينافسون اليهود في الاستيلاء على رأسمال باريس.
وفي بريطانيا أيضاً، شاهدنا المقاطع المتداولة للإنكليز العنصريين الذين يجوبون الأسواق حاملين لافتات تندّد بالأجانب (من شبه القارة الهندية خصوصاً) اللاّعبين في البلد.
ويستخدم الألمان العبارة ذاتها والنبرة ضد الأجانب (الأتراك) اللاعبين في البلد.
وعلى المنوال ذاته يمارس الروس ذلك ضد الأجانب (الشيشان والأذريين) اللاعبين في البلد.
بل حتى في أميركا، التي مواطنوها أجانب بعد أن تمّ طمس السكان الأصليين، أصبحت تتعالى فيها نبرة التذمر من الأجانب (الميكسيكيين وذوي الأصول اللأميركية اللاتينية- الهيسبانيك) اللاعبين في البلد!
أحدث استخدامات هذه العبارة وأطرفها يجري في مصر الآن، بعد نزوح آلاف السوريين إليها وتشغيلهم المطاعم وورش الخزفيات والمناجر، فصاح المصريون من أهل الصَّنعة أن الأجانب (السوريين) لاعبين في البلد!
ولو تفاقمت (حروب الهويات الصغرى) وفق مسارها التصاعدي الجاري الآن، فسيتم تداول عبارة «الأجانب لاعبين في البلد» حتى في ما بين أقاليم البلد الواحد، ولا أريد أن أسوق أمثلة جارية الآن لحساسية ذلك!
تزايُد استخدام عبارة: «الأجانب لاعبين في البلد» يوماً بعد آخر في هذا العالم، ليس مردّه فقط تزايد السكان وتناقص الموارد، ولكن أيضاً تناقص الأريحية والتســامح بين سكان هذه الأرض الواسعة، التي ما زالت مساحاتها الشاغرة ومواردها المهملة تستوعب أضعاف الســبعة بلايين نــسمة التي تتــقاتل عليها الآن. في صدد التأمل في هذه المسألة، يجب أن نتفق على مبدأين:
الأول: أنه من منظور وطني فإن سكان البلد الأصليين هم حقاً أولى بالوظائف من غيرهم، لكنهم ليسوا أولى بالعمل من غيرهم. ولا يخفى الفرق بين مفهومَيْ الوظيفة التي يتنافس عليها المواطنون، والعمل الذي يتنافس عليه السكان، من المواطنين والمقيمين.
الثاني: لا فضل ولا مِنّة لأهل البلد الأصليين على المقيمين ولا للمقيمين على أهل البلد، فالحالة التعاقديّة بينهما قائمة على: الخدمة مقابل المال. فلا الخدمة التي يقدمها المقيمون مجانية، ولا المال الذي يقدمه البلد لهم هو هبة أو تبرع.
هذا كله لا ينفي الفارق الذي يصنعه الولاء الوطني لسكان البلد الأصليين (أو لمعظمهم على الأقل) عن المقيمين الذين يدينون بالولاء لوطنٍ آخر (أو هكذا يُفترض). لكنّ هذا الفارق لا يسوّغ ممارسة شوفينية أو استخدام عبارات عنصرية ضد المقيمين أو المهاجرين باسم احتكار خيرات البلد لأهل البلد فقط، ولو أخذنا بهذا المنطق لكان مبرَّراً للبلدان التي نبتعث أبناءنا للدراسة فيها أن يرفعوا شعاراً عنصرياً ضد أبنائنا هو: الطلاب الأجانب لاعبين في البلد!