السخرية سلاح الأردنيين لمواجهة المصائب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
موسى برهومة
ربما أثّر وجود ما يقارب مليون مصري في الأردن في رفع مستوى النكتة لدى الشعب الذي تمّ تصويره بأنه «لا يضحك للرغيف الساخن». فالأردنيون الآن يتداولون النكات حول أنفسهم كلما داهمتهم مصيبة، وما أكثر المصائب التي تداهم هذا الشعب الذي يحتار المراقبون في كيفية بقائه صامداً مكافحاً أبيّاً عنيداً، على رغم قلة الحيلة وفقر الحال، وانقصاف الآمال.
وصار انتقاد الحكومات وممثلي البرلمان والإدارة العامة أمراً شائعاً في البلد الذي عرف الحياة الديموقراطية منذ خمسينات القرن الماضي. ووصل النقد الآن، خصوصاً على مواقع السوشال ميديا حداً جعل الحكومة تحاكم الأشخاص بموجب «قانون الجرائم الإلكترونية».
مصائب الأردنيين لا تأتي فرادى، إذ يحدث أن يتعرّض بنكان تجاريان لعمليتي سطو مسلح في غضون أيام، فيعثر الأمن على الفاعل الأول في زمن قياسي، ويبقى الفاعل الثاني طليقاً، حتى لحظة كتابة هذا المقال. ويتزامن ذلك مع رفع متواصل للأسعار وفرض موازٍ لضرائب تحتار الحكومة في كيفية تسويغها أمام شعب منهك.
ونال تصريح رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي في البرلمان الأسبوع الماضي «ما في أردنيين مسخمين»؛ أي فقراء يعانون أوضاعاً صعبة، انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حظي وسم (#اردنيين_مسخمين) بتفاعل واسع على «تويتر» بعد ساعات قليلة من إطلاقه، اشتمل على ردود فعل غاضبة ذكّرت رئيس الوزراء بقصص أردنيين يعانون الأمرّين، فيما راح بعضهم ينقل صوراً لأطفال ونساء ينبشون في حاويات القمامة بحثاً عن طعام.
وحضرت السخرية المُرّة في تعليقات المغردين الأردنيين الذين أظهروا مواهب لافتة في النكتة السياسية، فهذا مغرد باسم «أرنستو» يكتب: «خرج خليفة الأردنيين هاني الملقي ليتفقد أحوال الرعية، وأثناء تجوله سمع امرأة تقول لابنتها لا تطلّعي الفلوس اللي تحت البلاطة، وخلينا نبيّن فقراء، فردّت الفتاة: طلعناهم أو ما طلعناهم، الخليفة بيعرف إنه ما في #أردنيين مسخمين».
ونال حادثا السطو على بنكين خلال أسبوع نصيباً من سخرية الأردنيين الذين بلغت ببعضهم الحماسة حد امتداح الفعل الإجرامي، ما جعل الناطق باسم الأمن العام يحذر من هذه الظاهرة التي تبارك الخروج على القوانين، وتهديد أرواح الناس، وسلامة مؤسسات الدولة. وتداول الأردنيون تعليقات عن حادثتي السطو، من بعضها «دخلتُ عالبنك الآن، فسألني الموظف الواقف على الباب: تفضل عزيزي، سطو وإلا سحب؟»، فيما علق آخر على هيئة إعلان من أحد البنكين اللذيْن تعرّضا للسرقة: «ليش تسرق 92 ألف دينار وأنت بإمكانك تربحهم. افتح حسابك وخبي سلاحك. حسابك هو سلاحك»!
الأحداث حوّلت في شخصية الأردنيين، وجعلتهم أكثر تحديقاً في المرآة لرؤية واقعهم العاري والمؤلم والمفاجئ، وإذ لا يستطيعون تغييره، يبدأون في نقده والسخرية منه، بهدف إنتاج قدرتهم الذاتية على التحمّل، فضلاً عن إلقاء تبعات الخراب على سواهم من مسؤولين، وهذا يعني تطهّراً يمنح من يمارسه الشعور بالتوازن النفسي، لذلك لا تؤاخذ الحكومة هؤلاء كثيراً وتحتويهم تحت جناحيها العملاقين المترنّحين في الوقت ذاته.
الأردنيون الذين كانوا مضرب المَثل في الكشرة والعبوس والتبرم، والذين لم يكونوا يضحكون للرغيف الساخن، أخذوا يضحكون ويقهقهون ويهزّون كبرياءهم بعنف، لأنّ بعضهم لا يمتلك ثمن شراء الخبز الساخن، فيضطر إلى الاستدانة كي يفعل ذلك، كما غرّد أحدهم في معرض إثباته بأنّ هناك «أردنيين مسخمين» يطير سقف الزينكو عن منازلهم، كلما هبّت العواصف، وما أكثرَها!