جريدة الجرائد

مع نهر المواهب الواعدة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

& عبدالله بشارة&

كنت ضمن المدعوّين إلى حفلة تخرّج مجموعة، تتكوّن من 26 شخصاً من شباب وشابات الكويت، لتسليم الجوائز لهذه الكوكبة الثامنة من برنامج &"بروتيجي&" Protégé ـــــ البراعم الواعدة ـــــ الذي تتكفّل به شركات مشاريع الكويت، بحرص شديد واهتمام لا ينقطع من الشيخ حمد صباح الأحمد، رئيس مجلس الإدارة، الذي يتبنّى مشروع رعاية أصحاب المواهب. تكفّل بالتفاصيل الاقتصادي المنفتح والمرح السيد فيصل العيار، العضو المنتدب، وتواجد السيد خالد ناصر الروضان وزير التجارة والصناعة طوال الحفل، وألقى كلمة فيها مقارنة بين زمنه وزمن البراعم المتوثبة من الخريجين، وكان الوزير ممتعاً في نبش ما احتضنته الذاكرة من منابع المعرفة وضعف التغطيات التلفزيونية في الستينات، والاعتماد على المذاكرة والجهد والإحساس بضرورة النجاح، وكنت أستمع وأتذكر جيلنا في الأربعينات والخمسينات، ويستولي على مشاعري الاعتزاز بمحاكات الكويت لمثل هذه التموجات الزمنية والتآلف معها، واستحضار كل مفيد منها، في فتح أبواب العلم والمعرفة لكل من له رغبة في التفوق.


جلست بجانب الوزير المتحرّك دائماً، أراقب تلك الكوكبة، أسماء تلمع بالحيوية، مندفعة نحو العلم، وهو الممر الدائم لمن يريد الفوز في معارك الحياة، شابات نحيلات بعزم كبير وشباب متوثب بإرادة واثقة.. وأشيد بالمشرفين والمشرفات وجميعهم تناغموا مع كتيبة المتدربين الذين تابعوا مسار التدريب بهمة الاندفاع الوطني.
تحدثت مع المشرف العام السيد شملان البحر، الذي واكب المسيرة منذ بدايتها، وأسعدني دوره كعريف للحفل، وأخبرني عن الالتزام الذي يسيطر على سلوك مجموعة البراعم الواعدة، وبحضور المتطوعة رنا الخالد، المولعة بتوفير مسبّبات النصر لها وتسهيل ممرات التفوق، وكانت السيدة عبير العمر، التي تتولى التنسيق بين هيئة الرعاية والهيئة المشرفة على المجموعة، وكانت تفاصيل البرنامج ومنح التدريب مسكونة في ذاكرتها، وأعجبني العدد الكبير من المتبرّعين، هم رعاة البرنامج، وأكثرهم شركات تابعة لمشاريع الكويت، مثل الخليج للتأمين، بنك برقان، والمتحدة، والفنادق، بالإضافة إلى مجموعة اليوسفي بحضور د. عادل اليوسفي، وأعداد كبيرة من الشركات، وحضور كثيف من عائلات الخريجين والخريجات.
ولفت نظري قسم التخرّج الذي رددته المجموعة، مستذكراً خريجي القوات المسلحة بالذود عن الوطن والتضحية لأجله والالتزام بالمبادئ التي يؤكدها دين الإسلام والحفاظ على روح التآخي التي نشأت بين المجموعة، مع تعهّد بالحفاظ على وهج النجاح.
لمست من تلك المناسبة حجم الخصوبة الجالسة داخل تربة الكويت، في طاقات متوافرة تفيض بالحماسة وتتطلع إلى العطاء، وتؤشر إلى ضرورة خلق البيئة الملائمة لبروز هذا التفوق.
رأيت على وجوه الخريجين كبرياء المواهب، فمن حديثي وقفت على عزم على النجاح مهما كانت العقبات.
كانت حفلة تخريج لهؤلاء المواطنين والمواطنات، لكن العمق الوطني طغى على أحاسيس الحضور، من رعاة وطلبة وعائلات وضيوف، وكأن آبار الولع بالوطن تدفّقت داخل ذلك المبنى الذي استوعب الحضور ودوّن عمق المواطنة وأبرز التزامهم بشروطها..
تذكرت ندوة في جامعة سولت ليك سيتي Salt Lake City، عام 1975، كنت المتحدث فيها أمام خمسمئة من الطلبة، واستذكرت ما دوّنته من تلك المناسبة، كنت فعلا أمام مشهد من المواهب الآسرة، وكانت مجموعة الطلبة تنظر إليّ كمتحدث من دولة نفط، والمستخرج بتكنولوجيا ورأسمال من دول الغرب، والاشارة كانت واضحة باعتمادكم على الآخرين لاستخراج ما يتواجد في أحشاء أرضكم.


هذا التحدّي هو عنوان المهمة التي يجب تحقيقها في مسار هؤلاء المتفوقين، فهم الآن في قبضة التحدي فذكرتهم بذلك، فعليهم تطويع المعرفة لانجاز هذا التحدي المستقبلي، سينتابهم القلق، وربما يتعرّضون لشيء نسميه وسوسة الشك، وعليهم الصمود، هذه حقائق دورة النجاح في الحياة، فيها شك وخوف وعناء، فلا شيء مضمون في هذه الدنيا، وهذه من أسرار الكون فلا زينة في الحياة سوى زينة الانجاز، ولا رضا إلا ما يتولّد من النجاح.
هذا فصل يمر به كل إنسان في مقاربته لقضايا الحياة، ويسميه المتخصصون آلام التوقّعات Mystique of expectation.
ومن الغرابة في هذه الحياة أن آلام التوقّعات، تنتهي عادة بالفوز، وحيازة المطلوب، ويقولون عنها في أدبيات العلماء The Splendour of Achievement.
هذا جوهر ما نطلبه من الموهوبين وهو النظر في أخذ الكويت إلى مسلك القادر على الابداع والانجاز، وأولى المهمات هي البدء الجدّي في تنويع مصادر الدخل، لا يمكن البقاء أسرى لتقلبات النفط خاصة أن التكنولوجيا النفطية المتطورة تعمل على تخفيض الاستهلاك من نفط الخليج، لمسببات كثيرة، أبرزها كبرياء المقام العالي الذي شعرت بتواجده عند حظر النفط على الولايات المتحدة في عام 1973، مع حرب أكتوبر التي فجرت الهوة بين أصحاب المعرفة وبين فاقديها من الدول النامية.
كنا نصرخ داخل الأمم المتحدة بأننا لسنا أغنياء فلا نملك الثروة الدائمة، لا أنهار، ومن دون زراعة أو صناعة، ولسنا المجتمع التكنولوجي، لدينا حساب في البنوك، لكن لسنا في صنف المتطورين في التنمية الشمولية.


نحن في الخليج دول تخطو للوصول إلى التنمية المتطورة، وتعمل على بناء تفاهمات على أساس تبادل المنفعة مع جميع دول العالم، ونجحنا في بناء علامات للعمل الانساني الجماعي، تتمثل في صناديق التنمية، وحين أقرأ تساؤلات مجلس الأمة الكويتي عن صندوق التنمية، أشعر بأن للمجلس الحق في الاستفسار عن هوية المستفيدين، ليكون على اطلاع بأن الصندوق &"يافطة&" معبّرة عن الترابط الانساني في المجتمع العالمي، وهو آلية التحفيز للبحث عن المعرفة والحصول على التكنولوجيا الضرورية للتطور، وأشيد بحصيلته السياسية والانسانية، والأخلاقية، وأتمنى أن يتواصل لكي يفيدنا ويفيد غيرنا، لأن الصراع الأكبر أمام الانسانية يتواجد في كيفية تحقيق الحشد الجماعي لتجاوز العقبات في ندرة المياه وتناقص الغذاء وتبدلات الجو والاندفاع البشري في الهجرة وإنهاء الارهاب.
هذه التشكيلة من الصعوبات هي جدول الأعمال الذي ستتعامل معه هذه المجموعة من كواكب المهارات الواعدة..
وتقديري لمشاريع الكويت وللشيخ حمد الصباح وللسيد فيصل العيار، وللرعاة الكثيرين من شركات النفط والتقدّم العلمي، وصناعة الكيماويات والجامعة الأميركية، ولسفير الولايات المتحدة، والشكر الجزيل للجهاز الواعي لمسؤوليات المستقبل.

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف