ترامب وسوريا.. الخطاب والأفعال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جوش روجين
تُظهر المعركة المحتدمة بين اثنين من حلفاء الولايات المتحدة في شمال سوريا أنه على الرغم من الخطاب الجديد لإدارة ترامب، إلا أن هذه الأخيرة ما زالت تفتقر للإرادة والتأثير المطلوبين لتزعّم حل للأزمة السورية، أو حتى للدفاع عن المصالح الأميركية هناك كما ينبغي.
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون كان قد حدّد تحديات الولايات المتحدة في سوريا ما بعد تنظيم «داعش» على نحو صحيح ضمن خطاب ألقاه في كاليفورنيا قبل أسبوعين، ومن ذلك مواجهة التهديد الإرهابي المتواصل، والتوسع الإيراني، واعتداءات بشار الأسد الوحشية. ومن خلال إعلانه أن الجنود الأميركيين سيبقون في البلاد، بدا أن تيلرسون يعترف بأنه لابد للولايات المتحدة من تأثير على الأرض حتى تستطيع تحقيق أهدافها.
داخل الإدارة الأميركية، يخبرني مسؤولون بأن فهم سياسة سوريا كان حتى الآن أمرا صعبا للغاية. ذلك أن الكثيرين في محيط الرئيس دونالد ترامب مازالوا يدافعون عن ضرورة التركيز فقط على تنظيم «داعش» وترك الأمور الأخرى في سوريا تأخذ مجراها الطبيعي. وبالمقابل، مازالت هناك مجموعة تريد فك الارتباط مع الأزمة السورية والابتعاد عنها.
ولئن كانت إدارة ترامب باتت اليوم تقول علنا إن الولايات المتحدة لديها بالفعل مصالح طويلة المدى في سوريا، فإنها لم تقم بعد بربط ذلك بخطة حقيقية. والواضح أن الالتزام الأميركي الحالي في سوريا غير كاف. وفي هذا السياق، قال لي الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي: «إن من يعرفون التاريخ يعرفون أن كل شيء هو مسألة تأثير».
وبينما يدخل هجوم تركيا على القوات الكردية السورية بالقرب من حدودها أسبوعه الدموي الثاني، تختار إدارة ترامب تأييد الحملة ضمنيا، وهو ما يرى فيه ليفي خيانة للأكراد الذين حاربوا تنظيم «داعش» بدعم أميركي ويتقاسمون مع الولايات المتحدة قيمها وأهدافها الأساسية.
وحسب ليفي، فإن كلا من إدارتي أوباما وترامب تخلتا عن المسؤولية والزعامة في سوريا، وهو ما خلق فراغا سارعت بعض القوى السلطوية، مثل تركيا وإيران وروسيا إلى سده. فهذه القوى رأت الولايات المتحدة تتخلى عن الأكراد العراقيين عندما هاجمتهم المليشيات العراقية والإيرانية العام الماضي، وخلصت إلى أنه ربما لن تكون ثمة كلفة لمهاجمة الأكراد السوريين اليوم. وقال ليفي: «إن المصلحة الحقيقية لأميركا تكمن في دعم الأكراد لأنهم حلفاء أوفياء. أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإنه ليس حليفا وفياً»، واصفا تسامح الولايات المتحدة مع الهجوم التركي بأنه «فضيحة».
بيد أن آخرين يحاججون بأن الولايات المتحدة تستطيع وينبغي أن تحترم التخوفات الأمنية التركية لكن عليها أيضا ألا تضحي بالأكراد. والحال أنه حتى إذا استطاع فريق ترامب التوفيق بين هذين الأمرين وتحقيق توازن، فإنه لن يعالج العيب الجوهري الذي يعتري استراتيجيته الخاصة بسوريا: الافتقار إلى تأثير كاف على الميدان من أجل تحقيق رؤية تيلرسون.
«لقد التزمنا بمعركة جد تكتيكية وقصيرة النظر في سوريا من البداية، ما فاقم هذه المواضيع الاستراتيجية الأكبر، بما في ذلك العلاقة مع تركيا، والحرب الأهلية السورية، ومواجهة إيران»، يقول المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية وائل الزيات، الذي يدير حاليا منظمة غير ربحية تدعى «إيمغيج».
والواقع أن إدارة ترامب ما زالت تكرّر العديد من أخطاء الرئيس باراك أوباما الرئيسية، حيث تعتمد الولايات المتحدة على روسيا لممارسة ضغط على نظام الأسد، وهو ما تبين أن موسكو غير مستعدة أو غير قادرة على فعله. كما تروّج إدارة ترامب لعملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة باعتبارها الطريق السياسي إلى الأمام، لكن هذه الأخيرة ما زالت تمثل فشلا مستمرا. وفضلا عن ذلك، فإن الجهود الرامية إلى مواجهة إيران في سوريا لم تسخَّر لها الموارد الكافية والمناسبة. كما أنه لا يوجد ضغط حقيقي على الأسد لحمله على وقف فظاعاته الجماعية.
ماهي البدائل إذن؟ الواقع أنه في غياب زيادة كبيرة في عدد القوات الأميركية، وهو أمرٌ لا يطالب به أي أحد في الوقت الراهن، هناك بعض الطرق التي تستطيع بها الولايات المتحدة تعزيز موقفها في سوريا. فأولا، يجب على الولايات المتحدة ألا تتخلى عن الأكراد الذين درّبتهم، لأن ذلك يمكن أن يدفعهم لعقد صفقات مع نظام الأسد أو روسيا، مع ما ينطوي عليه ذلك من عواقب وخيمة لأميركا ومصالحها.
ثانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى لاكتساب تأثير على المجموعات العربية التي مازالت تحتل المناطق السنية وتدافع عنها. وهذا يعني استئناف تقديم الدعم للثوار المعتدلين، وخاصة في محافظة إدلب، حيث يتقدم نظام الأسد وشركاؤه. كما يعني إضافة مزيد من العرب إلى «قوات سوريا الديمقراطية» ودعم الحكم المحلي في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الأسد.
ثالثا، ينبغي على إدارة ترامب أن تزيد من الضغط على الأسد وروسيا وإيران، بما في ذلك من خلال العقوبات، والتهديدات ذات المصداقية باستخدام القوة الأميركية، وأي شيء آخر من شأنه إقناعه باحترام اتفاقيات خفض التوتر التي ينتهكها والتفاوض بحسن نية. فحتى الآن، ليس لدى هؤلاء نية للقيام بذلك.
بعد مرور عام على رئاسة ترامب، تقول إدارته إن الولايات المتحدة لديها مصلحة طويلة المدى في سوريا. وعليه، فإن الخطوة التالية تكمن في ترجمة هذه الكلمات إلى أفعال.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»