العراق.. عقدة دمج الميليشيات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ريس دوبين
أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن تشكيل تحالف سياسي لم يكن متوقعاً مع قائد ميليشيا «فيلق بدر» الموالي لإيران. وتم الاتفاق على انضمام قائد التنظيم «هادي العامري» للتحالف السياسي الموسع الذي يقوده العبادي بمشاركة عدة أحزاب سياسية من أجل خوض الانتخابات العامة في شهر مايو المقبل. وأثار هذا التحالف الجديد ردود أفعال سريعة من مختلف أطياف المشهد السياسي العراقي، وخاصة بعد أن كانت الحكومات الغربية تنظر إلى رئيس الوزراء باعتباره العدو التقليدي للنهج السياسي الذي يتبناه العامري. وقبل أربعة أيام فقط، كان الرجلان يتبادلان الشتائم والاتهامات، وكان العبادي لا يتوقف عن توجيه الانتقادات الحادة للميليشيات المتحالفة مع العامري.
وبالرغم من انفراط عقد هذا التحالف الجديد في اليوم التالي ليوم الإعلان عن تشكيله، إلا أنه أثار الكثير من القلق في الولايات المتحدة، وفي أوساط الحكومات الغربية التي كانت ترى منذ زمن بعيد أن مجموعة فصائل «ميليشيات الحشد الشعبي» الطائفية، ومنها «فيلق بدر»، تشكل الطابور الخامس الإيراني الذي يسعى لزعزعة استقرار الحكومة المركزية في بغداد. وقال السفير الأميركي السابق في العراق «ريان كروكر»: «أنا أفضل النظر إلى الأمر من منظور الافتراض بأن ما يحدث هو جزء من استراتيجية كبرى تتبناها إيران في المنطقة».
وكان الجزء الأكبر من الميليشيات الشيعية قد تأسس بعد عام 2014. وهي تتألف من عدد كبير من الفصائل الميليشياوية المتنافسة التي يزعم مؤسسوها أنها جاءت لمحاربة تنظيم «داعش» في العراق، وفيما كانت بعض أكثر تلك المليشيات قوة ونفوذاً شيعية التوجّه والشعارات ومدعومة من إيران بما فيها «فيلق بدر»، فلقد كان البعض الآخر منها يتألف من تشكيلات مسلحة محلية صغيرة تعمل بتوجيهات المعمّمين الشيعة الأقوياء المحليين من أمثال علي السيستاني. وتقول مصادر المخابرات العسكرية الأميركية أنهم ليسوا جميعاً مرتبطين بطهران.
ويقول الرائد أدريان جالوي الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية: «إن اسم ميليشيات الحشد الشعبي تعبير واسع المضمون. لأنه يضم ميليشيات الحشد الشعبي المسيحي، وميليشيات الحشد الشعبي الإيزيدي، وهناك أيضاً ميليشيات الحشد الشعبي التي لا ترتبط بإيران».
والآن، وبعد أن تراجعت حدة المعارك التي كانت تخوضها تلك الميليشيات، وخاصة داخل العراق، فلقد واصلت دعمها للجيش العراقي الذي يتحمل عبئاً أمنياً كبيراً، ويقول ساجاد جياد من «مركز البيان للتخطيط والدراسات» الذي يوجد مقره في بغداد: «لقد انتشرت قوات الشرطة والجيش في معظم أرجاء العراق، وصحيح أن ميليشيات الحشد الشعبي ليست من وحدات النخبة، ولكنها تسهم في تقديم القوة البشرية التي يحتاجها الجيش بالفعل».
وأصبح ابتداع صيغة مقبولة لإعادة إدماج أو مشاركة هذه الفصائل ضمن القوات الأمنية العراقية، هي القضية التي تطفو على السطح بسبب ما تنطوي عليه من تعقيدات بعد القضاء على تنظيم «داعش» في العراق.
وخاصة بسبب غياب أي سياسة أميركية واضحة في العراق وفقاً لما يراه مسؤولون عسكريون. وقال أحد أعضاء الكونجرس: «معظم القرارات المتعلقة بالعراق وسوريا كان يتم اتخاذها خلال السنوات القليلة الماضية بحيث تؤدي إلى دحر تنظيم«داعش». وفي هذا الوقت الذي بدا فيه وكأننا نجحنا بتحقيق هدفنا، فإننا لم نحول انتباهنا إلى الاهتمام بإيجاد الطرق المناسبة للقضاء على الأسس العقائدية التي يقوم عليها هذا التنظيم الإرهابي».
ومن دون إقرار ميزانية الولايات المتحدة لعام 2018، فسوف تكون المساعدة العسكرية للجيش العراقي محدودة من ناحيتي القيمة وقوة التأثير. ويمكن للمساعدة العسكرية المقترحة أن تكون مشروطة بحلّ تلك الميليشيات وتسريح مقاتليها من الخدمة. وقال عضو آخر في الكونجرس: «وإذا لم يتم ذلك، فسوف تكون الطريقة الوحيدة المتبقية لاستعادة الولايات المتحدة لنفوذها في العراق هي من خلال التخطيط والتشاور بين وزارة الخارجية والقيادات العسكرية». ويعترف صنّاع قرار في الولايات المتحدة بالدور الذي لعبته ميليشيات الحشد الشعبي خلال السنوات القليلة الماضية، وهي تعوّل أيضاً على الخط السياسي الذي يتبناه رئيس الوزراء العراقي، ولقد حظي مقاتلو عدة فصائل تابعة لـ«الحشد الشعبي» بإعجاب المجتمع بسبب الدور الذي لعبته في هزيمة تنظيم «داعش»، وقال مرشح «جمهوري» معتدل لانتخابات الكونجرس النصفية المقبلة رفض الكشف عن اسمه: «هناك حالة من التوازن السياسي في عقل العبادي بين الرغبة بإدماج ميليشيات الحشد الشعبي وبين حلّها بشكل كامل».
ويرى سياسيون أميركيون سابقون وحاليون أن الفشل في ضمّ أجزاء من المليشيات إلى القوات الأمنية النظامية، أو حلّ بعض الفصائل الميليشياوية بشكل كامل، سيؤدي إلى تأزيم وضع الحكومة وخلق العداوات المذهبية في العراق كله. وتهيئ انتخابات شهر مايو فرصة لمشاركة بعض تلك الفصائل التي تعتمد على سمعتها السياسية. وبعد دعوة السيستاني لميليشيا «الحشد» بوضع سلاحها، استجاب بعضها وابتعدت عن النشاطات العسكرية والسياسية.
إلا أن بعض قادة الفصائل وعلى رأسهم العامري، كانوا يشغلون مناصب وزارية في الحكومة السابقة وهم يأملون بالعودة إلى مناصبهم الآن. وقالت ناشطة في منظمة حقوق الإنسان العراقية لمجلة «فورين بوليسي»: «حتى الآن، وبعد أن ارتكبت ميليشيات»الحشد الشعبي«العديد من الانتهاكات، لا زالت عناصرها تُصنّف على أنها غير نظامية. وإذا انضمت الآن لبقية اللاعبين السياسيين فسوف تفوز بالغطاء الذي يخفي جرائمها». وعبر مسؤولون في الحكومة العراقية عن قلقهم من الأخطار السياسية الكامنة في نظام الميليشيات. وقال أحدهم: «هناك قانون منظّم لانضمام الميليشيات إلى القوات الأمنية العراقية. ووفقاً لهذا القانون فإن من المرجح أن يعود بعض أعضائها إلى حياتهم المدنية أو أن يسلموا أسلحتهم».
عن مجلة (فورين بوليسي)
محلل سياسي وعسكري أميركي متخصص بقضايا الشرق الأوسط
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»