متلازمة الكرسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خالد أحمد الطراح
مصطلح syndrome متلازمة يطلق على ظواهر صحية نتيجة أمراض جينية تصيب الافراد، خصوصًا في السن المبكرة للأطفال، تتطور غالبًا الى مرض مزمن يتطلب عناية طبية ومجتمعية وأسرية ايضًا بشكل استثنائي.
لكن هذا المصطلح رغم انه متداول طبيا اساسا فقد اصبح شائعا عندنا في الساحة السياسية، والإدارية تحديدا، حيث يلاحظ بمتلازمة كرسي السلطة الحكومية ـــ ان جاز التعبير ـــ حين نجد البعض ممن يتقلّدون منصبا قياديا يصابون بمتلازمة الكرسي نتيجة فقدانهم مهارات القيادة وتقلّدهم المنصب، من خلال نافذة «براشوتية» بشكل مفاجئ، وربما صاعق يفوق استيعاب الشخص نفسه، مما يؤدي الى الانجراف بشكل غير ارادي نحو «تسونامي» اعلامي حين تبرز صورهم في وسائل الاعلام ويتحوّلون الى شخصية اجتماعية مهمة نتيجة المنصب، وليس ما يملكون من قدرات مهنية وعلمية، لذا نجد ان هناك من يصرّح يمينا وشمالا بتصريحات تتسم ببلاغة لغوية، وهو اساسا لا يملكها!
هناك كثير من الأمثال الطريفة التي يمكن استعراضها تدليلاً على متلازمة الكرسي والطموح القاتل نحو البروز في المجتمع والإعلام لا اكثر، بسبب عدم القدرة على التعامل مع قرار صادم بتقلد منصب يفوق القدرات الذاتية ويشكل ازمة نفسية من الصعب التعامل معها من دون فقدان التوازن الذهني والنفسي ايضا.
الاعلام الجديد المتمثل في منصات التواصل الاجتماعي يضج بتسجيلات متناقضة لبعض القياديين، فهناك محترفون في توثيق التاريخ وعرض تسجيلات بالصوت والصورة لقياديين من وزراء او نواب وغيرهم اصحاب تصريحات رنانة تتسم بالحماسة، وربما الرعونة في الاحكام والتقييم وإطلاق الآراء والتغيير في ما بعد بنسبة حادة لمواقفهم وآرائهم، متناسين ان هناك من هو قادر على الرصد وتقديم البراهين على تناقض اصحاب متلازمة الكرسي.
هناك كثيرون ممن يعزفون على اوتار الوطن والإصلاح والتطوير، وهم مجرد ظاهرة صوتية، فمتلازمة كرسي الحكومة تنسيهم بسرعة البرق شعارات رفعوها، بما في ذلك عدم الجزع من المساءلة الدستورية والرقابة؛ لذا يبرز عند هؤلاء نزعات التسويات والصفقات خلف الكواليس مقابل البقاء في كرسي القيادة.
ليس المسؤول عن مثل هذه التداعيات سوى الحكومة التي ليس عندها معايير واضحة في اختيار القياديين، فضلاً عن عدم ارساء مبادئ رقابية حازمة إلا حين تنكشف خفايا الامور كما حصل في قضايا التأمينات الاجتماعية و«الداو كيميكال» وخسائر استثمارية اخرى.
ويلاحظ ايضا ان التوجيه في التعاون مع المؤسسات الرقابية وديوان المحاسبة يأتي دائما متأخرا، في حين المفروض ان تسير الحكومة نحو الشفافية من دون الحاجة الى قراءة المخالفات بعد تضخمها الى درجة لا تحتمل ونشرها وتدولها اعلاميا.
ظاهرة متلازمة كراسي الحكومة ينبغي ان تنتهي من دون رجعة، فالمزيد من التخبّط والفوضى في القرارات لا ينتج عنه سوى مخالفات يتكبّدها المال العام ومساءلة دستورية تفسرها الحكومة انها مصادر تأزيم في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو تفسير خطأ في ظل الانظمة الديموقراطية.