الكاريكاتور يوثّق تجربة الحرب واللجوء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
راشد عيسى
«سمكة في سفينة نوح» هو العنوان الذي اختاره فنان الكاريكاتور الفلسطيني السوري هاني عباس لكتاب (صادر عن دار ميسلون- تركيا) يجمع رسوم سبع سنوات مضت وضعَها الفنان (مواليد عام ١٩٧٧) لتكون أقرب إلى يوميات شخصية تؤرخ في الوقت ذاته لسورية منذ اندلاع الاحتجاجات في آذار (مارس) ٢٠١١ وصولاً إلى تجربة اللجوء والغربة التي يعيشها في مدينة جنيف السويسرية.
إلى جانب الرسوم نصوص مستقلة انتظمت تحت ثلاثة عناوين، الأول «برد في جهنم» ويغطي فترة البدايات التي عمّت فيها التظاهرات البلاد، وما رافقها من أحلام وأفراح ومتاعب، والثاني وقع تحت عنوان «إطفاء العتمة»، ويغطي بداية القصف والحصار، والفصل الختامي «سمكة في سفينة نوح» ويتحدث فيه الكاتب، الفنان، عن فترة اللجوء، متذكراً أنه لاجئ حتى قبل أن يولد، هو المتحدر من عائلة فلسطينية غادرت فلسطين إثر نكبة عام ١٩٤٨.
عباس هو أحد فناني الكاريكاتور العرب القلائل الذين لا يضيفون تعليقات أو حوارات إلى رسوماتهم، ويبدو أن ذلك بالضبط ما جعله يقدم تلك النصوص في شكل مستقل تماماً عن لوحاته، فهذه الأخيرة لا ترافق ولا تفسر ولا يلزمها أي كلام. يقول الفنان لـ «الحياة»: «في الرسوم أفضّل الاختزال وإيصال الفكرة من دون كلام. هكذا يمكن الكاريكاتور أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس».
أما لماذا اختار الكتابة أصلاً لسرد يوميات الحرب فيقول: «السنوات الفائتة هي فترة استثنائية في حياة الناس، في سورية والمنطقة، ولا يجب أن تمر مرور الكرام. إذا كان لديك الطاقة لسرد هذه اليوميات فلا بد أن تفعل. ببساطة ما أردت أن أقوله في الكتابة لم تتسع له لوحات الكاريكاتور. كانت اللغة هي الوسيلة. لكني لا أطمح إلى أن أكون كاتباً، فهذا أول كتاب لي، وهو الأخير».
وإذا كان الفنان يكرر القول إنها تجربة لتوثيق مرحلة، فكان لا بد من السؤال إن كان هذه واحدة من مهمات الكاريكاتور. يجيب عباس: «هناك فترات وأحداث في تاريخنا الحديث موثقة عبر ذاكرة الكاريكاتور. لا يمكن مثلاً تذكر حصار بيروت أو مجازر صبرا وشاتيلا من دون أن نتذكر رسوم (فنان الكاريكاتور الفلسطيني) ناجي العلي». ويضيف: «أنت تعود إلى الكاريكاتور لتعرف كيف كانت الحياة، من نواحٍ اجتماعية واقتصادية وسياسية في مجتمع ما في فترة معينة. وعلى سبيل المثال تجد الكاريكاتور في الدول الاشتراكية في فترة السبعينيات والثمانينيات كئيباً والوجوه فيه حزينة، كما الأفكار، بينما تجدها في بلدان كفرنسا وألمانيا بسيطة، بلا تعصب ولا تشنج. الكاريكاتور يصلح لأن يكون مرآة لمجتمع».
لكن ليس التوثيق وحده، ولا الشهادة على عصر ما دفع الفنان إلى الكتابة والرسم عن تلك الأحداث اليومية العاصفة، وهو كان قد قرر منذ البداية أنه سيكرس تلك اليوميات، سواء المكتوبة أو المرسومة، لكتاب، فهو يرى في ذلك «أمانة وواجباً»، كما يقول، ويضيف: «هذا شكل من أشكال ترجمة الواقع إلى فن. وإلى جانب كون الكتابات تفريغاً، هي أيضاً نوع من المقاومة. لم يكن لدينا سوى هذا الصوت، وقد حاولنا توظيفه في شكل مجدٍ».
لقد حمل الفنان ذلك الصوت ذاته إلى العالم، فعلى رغم الانقلابات الكبيرة التي شهدتها حياته في السنوات الأخيرة، من تجربة العيش القلق في مخيم فلسطيني إلى تجربة اللجوء في كبريات المدن، لا يجد تغييراً يذكر في أسلوبه وطريقة عمله، «فأنت ترسم بثقافتك ومخزونك وحساسيتك التي ستأخذها معك أينما حللت». لذلك يصرّ على أن تجربته في الرسم والكتابة في دمشق هي الأهم. «أتذكر كل لوحة، كيف رسمتها، وكل التفاصيل المحيطة بها. كانت الحساسية أكبر، والخطر كذلك، أما هنا فأنت ترسم بأمان».
يقول هاني عباس ذلك ويشير إلى طفلة جاره، تلك التي يذكرها في أحد نصوص الكتاب. كان يراها تارة تحمل آلة الكمان في طريقها إلى تلقي دروس الموسيقى، وتارة تحمل عبوة المازوت وتقف بانتظار دورها عند الكازية القريبة في وقت يكون البرد على أشدّه.