مجلس العلاقات العربية والدولية.. مبررات البقاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله بشارة
نقلت صحيفة الجريدة الكويتية، في عددها الصادر يوم الرابع من فبراير الجاري، أن مجلس العلاقات العربية والدولية قرر بعد مداولاته في الكويت، أن يبعث وفودا إلى أوروبا والكونغرس لدعم القدس، استشعاراً بضرورة التحرك نحو العواصم المؤثرة لشرح المواقف العربية بحثاً عن حل عادل لقضايا القدس ومشكلة فلسطين، هذه خطوة تنسجم مع مسؤوليات المجلس المكون من شخصيات لها تجارب واسعة في مختلف المجالات، ولها اتصالات مع مختلف المستويات عربياً وعالمياً، ومن شروط المنطق أن تتم الاستفادة من هذه الخبرات التي تعاملت مع مشاكل المنطقة بما يحقق المصلحة العربية، ومن أجل أن تكون تحركات المجلس وأعضائه مثمرة، هناك ملاحظات لا مفر من مراعاتها، وأبرز بعضها بما يلي:
أولا: وضع الرئيس ترامب موضوع فلسطين بكل تعقيداته، بما فيه القدس، في فصل غير مسبوق يحتاج إلى معالجة بتشكيل تآلف مع قيادة أبو مازن، يسنده في تحركاته، وينصحه في مقترحاته، ويبين له مخاطر الانفعال في بياناته، ويوفر له المشورة الناضجة، وجوهرها هدوء الأعصاب، مع قراءة ذكية للواقع، وإجراء تقييم للأوراق التفاوضية المتوافرة، وبكل موضوعية، بحيث يكون التركيز على هذا الجوهر، وهو حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير مع التهدئة، تحاشياً للانزلاق إلى منحى يزيد التعقيدات.
فالرئيس أبو مازن لا يتغذى في قيادته على المجاملات ولا على إعادة النهج المألوف «نؤيدكم في ما تقررون»، فهذا لا يريح شعب فلسطين، وإنما تنفعه خطوات تقرب من نيل حقوقه المشروعة.
ثانيا: يتحدث مجلس العلاقات الدولية عن المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت، كمبادرة تشكل الأساس الشرعي للحل المستقبلي، مع إعادة الالتزام بها عربياً، لكن المبادرة بحاجة إلى شرح تحليلي وهادئ لجميع الأطراف، وأبرزها إسرائيل والهيئات السياسية في الولايات المتحدة، وقد سبق أن ذهب اثنان من وزراء الخارجية العرب إلى إسرائيل لطرح المبادرة، ما تحتاجه المجموعة الآن هو إحياء الاتصال لإرسال وفد من داخلها ومن أعضائها للذهاب إلى الكنيست، والحديث بقناعة عن كل محتوياتها، وبأسلوب يوحي بالصدق والأمانةFull Hearted approach، مع الانتقال إلى واشنطن، حيث تقع مفاتيح الحل السلمي، وهناك سيرى من يذهب إلى الكونغرس حجم النفوذ الطاغي المؤيد لإسرائيل، ولن يطمئن من يعارضها على مقعده في المؤسسات الأميركية التشريعية، وفي غيرها من المنظمات المعتمدة على التبرعات، لكن الأهم هو الأسئلة التي توجه من أعضاء الكونغرس عن ديموقراطية القادمين وأنظمة حكمهم وشرعية حكامهم، ومواقع حقوق الإنسان فيها.
هذه نقاط ستواجه الذاهبين، فمن يطلب شيئاً عليه أن يأتي بأيدٍ نظيفة.
ثالثا: من المنطق أن يتم التنسيق مع الكويت، التي تترأس مجلس الأمن هذا الشهر، وحيث إن أبو مازن سيلقي خطابه أمام المجلس في العشرين من فبراير، طالباً عضوية كاملة، فلا مفر من وضع الترتيبات التي تؤمن نجاحه، وحيث إن الولايات المتحدة ستلجأ إلى الفيتو، فالمطروح منطقياً هو الحصول على أكبر عدد من المؤيدين من خارج مجموعة عدم الانحياز لأن هؤلاء حلفاء، والهدف كسب المترددين، خصوصا من مجموعة الاتحاد الأوروبي، وتأتي المشاورات أيضاً من الرئاسة الكويتية لتأمين خلو مداخلة أبو مازن من مفردات ومصطلحات مستخرجة من مشاعر الغضب والإحباط، فالتعبير الهادئ وسيلة جيدة في الحصاد السياسي.
أبو مازن يذهب ليزيد من الحصاد في الميدان العالمي، بهذا المنطق يكسب المزيد من الدعم.
رابعاً: من المؤسف أن يخرج بيان المجموعة دون التطرق إلى تشكيل نظام عربي جديد مكان النظام، الذي قضى عليه صدام حسين، والآخرون من أنظمة الشعارات والثورات، فلا يمكن لعمل عربي مشترك ما لم يرتكز على أساسيات غير قابلة للجدل، أصدقها احترام الدولة الوطنية بحدودها وشرعيتها وبنظامها، فهي الهوية التراثية لمواطنيها، التي تؤمن الحياة الآمنة المطمئنة، فالعمل العربي الجاد ينطلق من قاعدة الشراكة العربية القانعة نحو المصلحة المشتركة، فلا أحد يحتكر الحكمة، في بيئة أبوابها منفتحة، لأصحاب المبادرات النافعة، مع تأكيد على حقوق الإنسان والحكم المستنير المتفتح، وإسقاط الأدبيات عن الدولة العربية الواحدة والادعاءات بالحدود المصطنعة، هذه المقولات استغلها صدام حسين وحزب البعث الفاشستي لغزو الكويت.
سيظل واقع الجامعة العربية مثقلاً بأعباء الغزو الفاشستي البعثي لدولة الكويت، ويتحسن الوضع عند الشعور بضرورة علاج هذا الواقع.
وأخيراً، فإن مفهومنا تجاه مجلس العلاقات العربية والدولية، الذي يرأسه محمد جاسم الصقر، مع أعضاء من العيار المدفعي الثقيل، أنه قاطرة تتحرك بسرعة مع أجراس إنذار نحو المخاطر، معبأة بمحتويات علاجية مستخرجة من تجارب تأخذها إلى نهج الممكن القابل للتحقيق وليس المستحيل البعيد المنال.
أعرف معظم الأعضاء، وأقدر معرفتهم بالواقع العالمي، الأمر الذي يرفع حجم توقعاتنا بالتحضير الجيد للمهمة الشاقة، ومنها أسئلة فيها اتهامات للعرب عن تخلفهم للإصلاح الداخلي، وفي اتباعهم لدبلوماسية المجاملة، وتحاشي الوضوح، وتجميل عجزهم عن اقتناص الفرص النادرة.