جريدة الجرائد

الصراع على المنطقة: حروب الماء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد حسن الحربي

الصراع على المنطقة العربية لن ينتهي، بل سيستمر ويدوم طويلاً، ولو كان سبب هذا الصراع القديم المتجدد، هو تحقيق أهداف محددة ومرسومة، كأن تكون ذات علاقة بالمواد الخام الأولية مثلاً، أو بالطاقة كالغاز والنفط، أو بالإطلالة المائية كالأنهار والبحار والموانئ، أو بالمواقع الجغرافية الحيوية - (الجيوسياسية) - أو بحرارة شمسنا التي غدت مصدراً للطاقة، لو كان الصراع متعلقاً بمثل الأهداف كهذه، لكان توقف منذ عقود ووضع أوزاره، كون السعي إلى تحقيق الأهداف، أخذ أشكالاً مختلفة؛ فاليوم على سبيل المثال، إذا ما أراد طرف أو أطراف، الحصول على شيء مما ذكرنا، أو كل ما أوردناه، فليس المطلوب سوى اللجوء إلى طرق ووسائل أكثر تحضراً، وفيرة ومتفق عليها، وأضحت مألوفة عالمياً، وهي أولى أن تتبع، وأكثر جدوى، عند السعي لتحقيق الأهداف، وتحقيق حتى الرغبات والحاجات والأطماع (المشروعة)، من تلك الأشكال الحوارات، وأنواع المعاملات والتفاهمات، والاتفاقات والشراكات، عبر هذه الوسائل والأدوات وليس غيرها، وبشيء من الاحترام والنية الحسنة، وتغليب السلميّة، يمكن أن يُتحصّل على المطلوب، أياً كانت طبيعة هذا المطلوب، وأهميته وحجمه وبعده وقربه، وحينها تنتفي الحاجة إلى المواجهات والصراعات. فحينما يكون في المستطاع، الحصول على مطلب بطريقة سهلة وودية، باتفاق ضامن لمصالح الجميع، فإن الحكمة تقتضي عدم الدخول في مواجهات ماراثونية لا نهاية لها.

الصراع على المنطقة العربية لا رابط له بالصراع العربي - الإسرائيلي، ومن يصر على ذلك، نقول له أنك جانبت الحقيقة، فالصراع على منطقتنا، كان سابقاً على احتلال إسرائيل لفلسطين العربية، ويمتد في التاريخ إلى ما قبل عام 1100م. صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 وما قبله، جعل العالم أقل أماناً، وأكثر اضطراباً من ذي قبل، ودفع كثيراً من البلدان إلى التخلف تنموياً، خصوصاً في العالم العربي، لكنه كحدث كارثي، لم يكن سبباً رئيسياً، أو لم يكن هو الوحيد في إدامة صراع الأمم علينا، وتكالبها على منطقتنا العربية؛ في استمرارٍ هو نزف لجراحنا، وتوسعٍ للوجع في قلوبنا. دعنا لا نتأمل ما حدث في المنطقة منذ قرون، ولا حتى منذ سقوط بغداد، في بداية العقد الأول من القرن الحالي، وسبع سنوات الحرب السورية، بل لننظر إلى الأمام قليلاً، إلى تأمل الغد، المرحلة المقبلة من الصراع المتجدد نفسه، خصوصاً في المشرق العربي، رغم أن صراعات الأمس المشرقية، جراحها ما زالت مفتوحة. ترى ما الذي يمكن استشرافه من صراع في شرق المتوسط ؟ إنها حروب الطاقة، الغاز والنفط، في المساحة البحرية الممتدة من تركيا جنوباً، إلى مصر شمالاً، إلى قبرص غرباً، وربما إلى ما بعدها وصولاً إلى اليونان، هذا الجزء المائي من المتوسط، الذي ظل هادئاً نسبيا، لزمن طويل، والذي ربط ثقافياً وعلى نحو مدهش، ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، هذا البحر ستمخره بعد قليل البوارج، وتسمم صلاحيته الطائرات؛ الأحياء المائية ستنفق، والمآوي المرجانية ستدمر، والبحر لن يبقى مصدراً صالحاً للغذاء، ليدخل الإنسان بعدها في سفرٍ جديدٍ من الخوف والاضطراب، ونقص في الأنفس وشيء من الجوع. يبدو أنه بات جلياً سبب الصراع على المنطقة العربية..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف