ما بعد #الفاتورة_المجمعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فهد الدغيثر
مهما بلغت أهمية الأحداث في منطقتنا العربية ومنطقة الشرق الأوسط على العموم، تبقى أخبار السعودية وما يحدث بها الأكثر إثارة وجدلاً وحيوية لوسائل الإعلام. بل إن هذا التركيز أصبح مُلاحظاً حتى في تغطية كبرى صحف العالم لهذه المنطقة.
أخيراً، ولن يكون آخراً من هذه الأخبار المثيرة لدى البعض ممن يفرح بها ويضخمها ويحوّل اتجاهها، بدء الحكومة السعودية بتطبيق نظام الرسوم الجديدة على تشغيل العمالة الأجنبية. تجدر الإشارة إلى أن هذا التنظيم سبق أن تم الإعلان عنه وعن موعد العمل به قبل أكثر من عام. الهدف الأول من هذه الرسوم هو رفع كلفة العمالة الأجنبية بما يدفع رب العمل السعودي إلى توظيف السعوديين بدلاً من الأجانب. ولهذا الهدف، وأقصد توطين الوظائف في المجتمع الاقتصادي السعودي، أحداث وروايات معقدة بعضها قصص نجاح مبهرة وبعضها محبطة.
وكون مثل هذه القرارات تشكل بعض الألم لدى بعض أرباب العمل فقد دخل في هذه المناقشات العديد من «الأشقاء» من خارج السعودية ممن لا هم لهم وبسبب «غيرتهم» على المواطن إلا محاولة الإيقاع بين الدولة السعودية ومواطنيها. اعتدنا على ذلك في جميع الأحوال لكن، بما أن الموضوع يستحق الحديث والتفصيل فلا بأس من مناقشته بصراحة وموضوعية.
تجربتي الشخصية مع توظيف السعوديين في قطاع التجزئة تكشف الكثير من غياب الأنظمة التي يراها رب العمل ضرورية لحماية مصالحه. أهمها بالطبع غياب ما يقلل من ارتفاع نسبة التسرب بعد التدريب وممارسة المهنة. كنا ننفق الوقت والمال في تدريب الشباب مجاناً وما أن يخرج إلى ميدان العمل متدرباً حتى تنهال عليه عروض من المنافسين فيقرر الشاب وبلا سابق إنذار مغادرة المكان ويلتحق بمكان آخر من دون أدنى مسؤولية.
نظام العمل في السعودية، وإن كان يوفر الحماية الكاملة للموظف، فهو لا يوفر الكثير من الحماية لرب العمل في هذا التقاطع، ولذا فالحاجة إلى تطويره أصبحت ملحة. الواقع أن من أهم أسباب تفضيل الأجنبي هو وجود نظام الكفالة الذي يسمح للتاجر بالمحافظة على الموظف المكفول.
هناك تذمر أيضاً لدى الشباب السعوديين من تدني الراتب الأول للوظيفة لدى القطاع الخاص وهو واقع بالفعل. الغائب عن ذهن الشاب المستجد أن القطاع الخاص وعلى عكس القطاع الحكومي، يتمتع بمرونة عالية في رفع الراتب الشهري وليس مقيداً بنظام حكومي معين غير أن مالك المنشأة يحتاج أولاً إلى الإنتاج والمثابرة والأمانة والمهنية من الموظف. أعرف شباباً لا يحملون إلا شهادة الثانوية العامة بدأوا العمل بإحدى الشركات المعنية بتجارة التجزئة برواتب لا تتجاوز ٣٠٠٠ ريال قبل 10 سنوات واليوم تصل رواتب بعضهم ممن بقي على رأس العمل إلى ٢٥ ألف ريال شهرياً.
تطبيق هذه الرسوم مؤلم بلا شك لعدد من المؤسسات المتوسطة التي اعتمدت على العمالة الرخيصة والتي بسببها اعتادت على تقديم الخدمات المتدنية واعتاد المواطن على ذلك مع الأسف. أتوقع خروج العديد منها ودخول مؤسسات أفضل وأكثر تطوراً وقادرة في النهاية على تحمل تكاليف الموظفين السعوديين. على أننا وفي خضم هذه المحاولات القوية للإقلال من البطالة نغفل عن مبادرة مهمة جداً. أقصد بذلك التحفيز في أعلى مستوياته. من أهم أسباب احتفاظي بالشباب السعودي عندما كنت مسؤولاً عن ذلك، وضع برامج التحفيز السنوية للمستجدين وتكريم المتفوقين منهم في مناسبات تتوافق مع تطلعاتهم. كنا نمنحهم الشهادات والمبالغ النقدية بحضور أولياء أمورهم وكنا نتابع تغطية ذلك إعلامياً. اليوم لا يوجد شيء من ذلك. نحن، وأقصد السعودية كدولة ومجتمع اقتصادي، بأمس الحاجة إلى دعم رب العمل السعودي وفوزه بشباب طموح ومتطلع، وذلك من خلال تحفيز الموظفين السعوديين الجدد في القطاع الخاص بما يدفعهم وبشهية عالية إلى البحث عن الوظيفة والتفاني في تأديتها بعد الفوز بها.
مثال على ذلك، ما الذي يقف حائلاً دون تصميم برنامج احتفالي كبير يحمل مسمى «جائزة الملك التقديرية للموظف» ونحدد له يوم في الروزنامة السعودية بمسمى «يوم العمل السعودي»؟ نزف بهذا اليوم وسنوياً ألف متفوق ومتفوقة من بين الآلاف الذين انخرطوا حديثاً في العمل ونمنحهم الجوائز المالية اللائقة والشهادات التقديرية؟ هنا تتصرف الدولة كشريك في دعم أرباب العمل بدلاً من تركهم يصارعون تردد الشباب وحيرتهم وبالتالي تباطؤ العمل التجاري ونموه. أتصور ومن خلال التجارب السابقة التي عايشتها بنفسي أن حدثاً كبيراً كهذا سيشكل انقلاباً حميداً وإيجابياً هائلاً في مفهوم العمل في القطاع الخاص في المملكة. ولدي بالمناسبة عرض مفصل عن هذه الفكرة وكلفتها المادية أنوي تقديمه للجهات المختصة لعلنا نجد أرضية مشتركة ننطلق منها.
هناك الكثير من المبادرات الخلاقة غير أن الأهم من كل ذلك ومن أجل تغيير المناخ العام للعمل في المملكة واستحداث بيئة جديدة كلياً، أن تبادر الدولة إلى إعادة تنظيم العلاقة بين رب العمل والموظف السعودي. المقصود بذلك الإقلال من التسرب الوظيفي واحترام المهنة والمسؤولية. أحد الإخوة اقترح وضع قائمة متابعة تشبه قائمة «سمة» المعنية بسجل المواطن والمقيم في التزاماته المالية. يقترح الصديق قائمة مشابهة توضح تنقلات الموظف وعددها بحيث يطلع رب العمل على ذلك قبل التوظيف. هذه القائمة ستكشف مدى التزام الشاب المتقدم بوظيفته وكلما ارتفع عدد تنـــقلاته في فترة زمنية قصيرة كلما قلت الثقة به. ومن التنظيم المطلوب حفظ حقوق رب العمل ومنع الخروج المفاجئ والالتزام بفترات الإنذار التي تمنح المؤسسة فرصة للبحث عن بديل.
تطوير هذه الأنظمة مع وجود المحفزات المغرية للشباب سيخلق توازناً مهماً في الحث على العمل والانضباط والتنافس الخلاق بين الشباب المستجدين والشابات بما يعود بالفائدة الكبرى للوطن. الارتقاء بمفهوم العمل وارتباطه بمستقبل البلاد بعد عقود من الاعتماد على الأجانب وإدمان العمالة الرخيصة والخدمات المتدنية يتطلب مبادرات كبرى وغير مسبوقة لا مفر من الأخذ بها. تزامناً مع كل ما ذكرت يأتي دور الإعلام في تغطية ما يحصل في السوق ومقابلة من يقتحم المهن التي كانت تحت سيطرة غير السعوديين وإبراز نجوم المرحلة وعرض تجاربهم بمهنية مشوقة. لو نفعل فسنجد قصصاً رائعة لدى معظم الشبان تستحق الرواية والتغطية المناسبة. إن لم نفعل ذلك وأكثر ونكتفي بالجلوس على مدرجات المتفرجين ننتظر تسجيل الأهداف فلن ننجح في التوطين بالسرعة المستهدفة وسيتجاوزنا الزمن قبل تحقيق أهداف نسب البطالة التي جاءت في رؤية السعودية الطموحة.