هل نحن بحاجة إلى الجامعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي سعد الموسى
إلى الرياض وصل أحمد بصحبة والده وأخويه حاملا معه شهادة الدبلوم الفني ما بعد الثانوية. أسرة ترحل تحت بريق إعلان عن وفرة بضع وظائف في أحد القطاعات العسكرية. من هو الذي يستطيع إقناع هذا (الرباعي) أن مسألة الحصول على إحدى هذه الوظائف أمر صعب ومستحيل،
في ظل هذه الطوابير الطويلة التي تتنافس بملفات أغنى وأثقل بكثير من شهادة هذا الأحمد. من هو الذي سيقول لهم إن المئات، بل الآلاف، من حاملي الشهادة الجامعية في تخصصات الهندسة العشرة يتزاحمون اليوم على رتبة (عريف) شاغرة. جامعاتنا اليوم لا تشبه في كثافة الإنتاج سوى نهر ضخم عملاق لكنه يصب في رمال ربع خال من السوق الحقيقية للمستقبل. ابن عم أحمد، الذي يروي لي قصتهما المتشابهة خريج هندسة كيميائية منذ ست سنوات. يقول لي بألم إنه مثل آلاف الشباب صاروا يتقبلون واقع البطالة وسيتحملونه حتى سن الثلاثين. يذكر لي في مكالمته الطويلة المؤلمة أن عميد كلية الهندسة قال لهم في اليوم الأول من حفل تقديم وتعريف الطلاب الجدد، إن تكلفة طالب الهندسة حتى تخرجه تقترب من 300 ألف ريال للطالب الواحد. يقترح ساخرا: لماذا لا ندفع هذا المبلغ الضخم في جيب الطالب ليقيم به مشروعا صغيرا أو متوسطا.. بلاش كلية هندسة. يجرؤ أكثر على القول: لماذا لا يعطى الشاب المبلغ نفسه بالكاش، فقد يستطيع العيش به لثلاثين سنة في دولة شقيقة مشهورة برخص تكاليف المعيشة. يذكر لي بالأرقام وجود أكثر من مئتي قسم هندسة في ثلاثين جامعة وكلها تصب في رمال الربع الخالي. تنتهي حتى بالحلم المستحيل على أدنى مسمى للوظيفة. كنت سأذكر له وجود أكثر من ألفي قسم دراسي، وكلها تذهب إلى ذات الكثبان الرملية المخيفة. لم يتبق سوى الطب، وهو الذي يدخل هذا العام رسميا إلى طابور البطالة.
سأختم بمثال يشرح طبيعة المعالجة: أقامت أميركا سد (هوفر) الشهير من أجل تحويل نهر كولورادو إلى جهة جديدة.
تقيد دولة مثل ألمانيا تأهيل عشرين ألف خريج جامعي في الدراسات الإنسانية إلى التمريض والتصنيع والبرمجة. دولة مثل بريطانيا تفاخر بأنها استطاعت قبول واحد من كل ثلاثة متقدمين إلى جامعاتها لهذا العام. نحن لدينا نقبل الثلاثة كلهم.