جريدة الجرائد

العراق في انتقال

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

 خالد القشطيني

 هذا العنوان «العراق في انتقال» هو العنوان لسلسلة تلفزيونية كان يبثها تلفزيون بغداد في العهد الملكي عن التقدم الذي كان جارياً في البلد. والواقع أن كثيراً من جوانب الحياة في تلك الأيام كانت تتغير من يوم إلى يوم. خروج البلاد من العهد العثماني، ثم من عهد الانتداب البريطاني دخلت البلاد في مرحلة من الانتقال الحضاري. مات الكثير من الحرف التقليدية وظهر الكثير من معالم الحضارة المتطورة. ولكن ذلك لم يحدث طبعاً من دون صعوبات ومقاومة وشكوك وتردد.

لا يستطيع المؤرخ أن يروي تحول المجتمع العراقي دون أن تتردد على لسانه عبارة «لأول مرة». كانت أيام خير، وفي أيام الخير يسعد الإنسان بكل ما هو جديد ومتطور. مثله في ذلك مثل الأطفال الذين يلبسون ثيابهم الجديدة في أول أيام الأعياد.
من ذلك نقول: إنه لأول مرة شهد العراقيون قالب الثلج الذي كان الباعة يقطعونه ويبيعونه للناس في مكعبات صغيرة الواحد بفلس. وبدأ الجمهور بشراء ذلك لوضعه في الزير أو أي إناء فخاري للحصول على ماء بارد منه. ولكنهم سرعان ما استبدلوا بذلك ما سُمِّي صندوق الثلج، وهو صندوق خشبي مبطن في الداخل بصحائف من الصفيح. يضعون فيه الثلج الملفوف بقماش الجنفاص لتبريد المأكولات وقنانيّ الماء والشربت.
وكان دخول الثلج نعمة من الله للسقاة الذين كانوا ينقلون الماء بالقِرَب إلى البيوت. ولكن هذه المهنة انقرضت بتأسيس إسالة الماء التي أخذت تجهز الماء بالأنابيب إلى البيوت، بيتاً بيتاً. بيد أن الساقي لم يمت من الجوع. أخذ يتولى بيع الثلج للجمهور. وهكذا انتقل الحال من ماء النهر والترعة العكر، إلى الماء الصافي المعقم، ثم إلى الماء البارد والمثلج. سبحان مغير الأحوال!
بعد أيام قليلة أصبح ذلك مظهراً من مظاهر التخلف والفقر. حلّت محل صندوق الثلج الثلاجة الكهربائية التي أغنت أصحابها عن شراء وتخزين الثلج الصناعي، ويقال إن أول من أدخل الثلاجة إلى بيته كان السيد الحاج عبد الرزاق الدوري. وكان ذلك في عام 1936. ولكن الكهرباء اللازمة للثلاجة كانت هي الأخرى بدعة صعبة جديدة. فقد راح صناع اللمبات، أو مَن كانوا يسمّونهم اللمبجية يحذِّرون الناس من استعمال الكهرباء. قالوا إنها تسبب الحرائق في البيت. ومن يمسها يموت فوراً، وما هي إلا أيام قليلة حتى تخرب مكائن الكهرباء وينقطع التيار ويبقى الناس من دون نور.
ولكن العراقيين حريصون على التجديد والتطور فلم يلتفتوا لنُذُر الشر. فأنارت الكهرباء سائر البيوت والطرقات. أغلق اللمبجية دكاكينهم وتحولوا إلى حرف أخرى، بدلاً من فئة اللمبجية، ظهرت فئة عمال الكهرباء.
وإذا كانت الكهرباء انتشرت بسرعة، فإن تلك الشعبية لم تصاحب دخول التلفون. اضطرت الدولة إلى تشجيعه بمنحة مجانية لكثير من موظفيها. وكان أول من تلقى هذه الهدية السيد هاشم العلوي، مدير الشرطة. ثم راحت الشركة تعطي مكافأة بمقدار 750 فلساً لكل من يأتيها بمشترك جديد. ويظهر أن ذلك جاء بنفعه. فما أطلت سنة 1930 حتى كان في بغداد 1100 تلفون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف