مئة فلس الترشيد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خالد أحمد الطراح
الهدر والنزيف هما وجهان لعملة حكومية واحدة، خصوصاً في ما يتعلق بالإنفاق المرهق للميزانية العامة الذي لم يشهد من ناحية عملية وواقعية تدخّلاً جراحياً رسمياً ينقذ الدولة من سياسات غير حصيفة في التخطيط والإنفاق باستثناء قرار واحد، وهو الترشيد بقيمة مئة فلس كويتي من قيمة شراء الصحيفة اليومية!..
قيمة الصحف اليومية والمجلات، التي هي في الواقع لا قيمة لها تذكر، وجدتها الحكومة وفق ما نشر في 28 يناير 2018 نقلاً عن «وزارة المالية وبناء على قرارات مجلس الوزراء» انها النافذة والقرار الجراحي العميق والجريء جدّاً في وقف شراء الصحف التي تصل قيمة الصحيفة الواحدة الى مئة فلس كويتي، بسبب ان هناك مواقع الكترونية للصحف يمكن متابعتها وتوزيع المهم منها على المعنيين، وهو ما يستلزم استهلاكاً لطباعة ورقية للأخبار والمقالات الصحافية التي من الممكن ان تضاعف سعر شراء الصحيفة اليومية وزيادة في عدد الموظفين وعمالة هامشية لتصوير اخبار ينتهي فيها المطاف غالبا في سلة المهملات!
قبل اسبوع من قرار توفير مئة فلس من المال العام، نشرت القبس خبرا عن «اللانضباط المالي الحكومي بنسبة %95 من قبل كثير من الجهات الحكومية» وبعد يوم واحد من نشر قرار ترشيد الإنفاق بمئة فلس، نشرت القبس خبراً، مفاده «ان جهود الترشيد وضبط المصروفات تذهب مع الريح وعودة التوسّع في المصروفات»، حيث بلغ سقف ميزانية 2019/2018 حوالي 21.56 مليار دينار، وهو اعلى رقم تصل اليه المصروفات في الموازنة منذ عام 2014، لكن ربما موازنة 2020/2019 ستشهد ترشيدا غير مسبوق بعد وقف شراء الصحف التي يبدو انها مصدر رئيسي في استنزاف الخزانة العامة!
من جانب آخر، صدر عن لجنة الميزانيات في مجلس الامة بيان صحافي في 4 فبراير 2018 ذكرت فيه «ان الحكومة غير جادة في ضبط المصروفات»، بعد ايام قليلة من المؤتمر الصحافي لوزير المالية، الذي ذكر فيه «التزام الحكومة بسقف الانفاق للسنة الرابعة ومراجعة الدعوم وزيادة رسوم الخدمات».
هناك كثير من اوجه الهدر المالي والتناقض مما يتطلب تغييرا منهجيا في السياسات المالية والاستثمارية حتى يصبح المواطن اكثر قبولا وتفهما لما يسمى بسياسة الترشيد بعد عقود من زمن الدلال والإسراف الحكومي!
في حال أرهقت وزارة المالية نفسها في مراجعة نفقات المؤتمرات والضيافة فقط في القطاع التابع لها ودقّقت في مدى سلامة الصرف بناء على طلبات الجهات الحكومية ستجد ان هناك نزيفا ماليا والتفافا من جهات حكومية على وزارة المالية، وخير دليل على ذلك تقارير ديوان المحاسبة ولجان مجلس الامة التي تحتاج فقط الى التمعّن فيها.
الكتابة عن مصادر النزيف المالي أصبحت كئيبة الى درجة عدم التحفّز لمناقشة مصادر الهدر الحكومي، ولكن تظل مصدرا للتندر.
لولا قرار مئة فلس الترشيد ما تولّدت فكرة المقال، فشكراً لمن قرر وتفتق ذهنه حول مصدر هدر، لم ندركه من قبل!