أميركا والشرق الأوسط الجديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سالم سالمين النعيمي
واحدة من السمات النموذجية للشرق الأوسط الجديد هي أن التحالفات لا تستند إلى أسس دينية أو عرقية أو جغرافية، والصراع ليس صراع سلطة ونفوذ بقدر ما هو صراع تسعى الدول من خلاله إلى وضع نفسها ضمن إطار التحالف الصحيح الذي يضمن الحد الأدنى من تحقيق مصالحها، لكون مصالح الدول أصبحت فئوية ومشتركة ونفعية، بصورة أصبحت مألوفة ومقبولة وحصرية ضمن لوبي معين أو أشخاص محركهم الرئيسي الأطماع والطموح الفردي، وقبل ذلك الدافع الاقتصادي والتحكم بالثروات ومضاعفتها.
فاندلعت في طور خلق هذه المنظومة حروب مختلفة في المنطقة منذ ستينات القرن الماضي ليومنا هذا، وهي مستمرة في المستقبل حتى تثبت الحدود الجديدة للمنطقة. ومن الطبيعي أن تكون هناك عوامل مساعدة فرضتها القوى المهيمنة على سكان المنطقة ومنها التخلف الصناعي والعلمي، والاقتصاد غير المتنوع، والفقر المعرفي والفوضى الاجتماعية، وتعميق الصراع الطائفي وأزمة الهوية وغيرها من المدخلات التي أضحى على أثرها انتهاك حرمة المقدسات الدينية والتهديد باجتياحها قضايا ثانوية وواقع الأمة العربية يصدق ذلك، ويشير إلى ميل الدفة لتلك التوجهات والمشاعر الانهزامية والانطوائية للمواطن المسلم.
فإعادة رسم الشرق الأوسط، هي بلقنة أخرى أدت على سبيل المثال إلى أن يتم التخطيط لجعل سوريا والعراق واليمن وليبيا دويلات وتتخلى عن أراضيها السيادية، وتتحول إلى دول إثنية أو طائفية ستظهر في المنطقة، وسيتم زعزعة الوضع في لبنان ومصر والأردن والجزائر وتونس، ونشر الخلافات والصراعات في شبه الجزيرة العربية وإعادة رسم الخطوط الطائفية والعرقية، التي من شأنها أن تُدمر تماماً محور ائتلاف إيران وسوريا و«حزب الله» كتهديد للهيمنة الإسرائيلية والأميركية في الشرق الأوسط، وأهمية «إعادة الرسم» لعزل إيران عن حلفائها في دمشق وجنوب لبنان.
ومن هذا المنطلق تم زرع تنظيم «داعش» في المنطقة، واستخدامه كذريعة لتدخل عسكري محدود من قبل واشنطن وحلفائها، وبالمقابل تدعم روسيا والصين مناطق نفوذها المستقبلية. والسيناريو التالي يبين مدى احتدام الصراع بين القوى الكبرى في المنطقة، حيث دعمت على سبيل المثال الولايات المتحدة الميليشيات الكردية المعروفة باسم «وحدات حماية الشعب» في شمال سوريا، والتي تسعى أيضاً إلى الاستقلال الذاتي أو الاستقلال عن الدولة السورية، وهي الفرع السوري لحزب «العمال الكردستاني»، الذي يتخذ من تركيا مقراً له، والذي يسعى إلى الاستقلال الذاتي أو الاستقلال عن أنقرة، ويعترف به من قبل الولايات المتحدة و«الناتو» وأستراليا، وقد وافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو 2017، على توريد الأسلحة إلى وحدات «حماية الشعب»، وذلك لمواصلة كفاحها ضد «داعش». وبالمقابل قد أحبطت هذه الخطوة حكومة تركيا، بدعم من روسيا والصين والتواجد الإيراني الميداني في أرض النزاع المسلح.
واذا أراد الساسة العرب معرفة مخطط «الشرق الأوسط الجديد»، فليدرسوا بعمق الخرائط القديمة لحدود الشرق الأوسط، التي تمتد إلى عهد الرئيس الأميركي وودرو ويلسون والحرب العالمية الأولى، وليدركوا أن الاستراتيجية والأولوية الأميركية في المنطقة قائمة على إبقاء كل من تركيا وإيران أقوى دول «البلقان الأوراسية»، وإيمان الأميركان بأنه إذا تعرضت إحداهما أو كليهما إلى مشكلات تزعزع استقرارهما، فإن المشاكل الداخلية في المنطقة ستصبح غير قابلة للإدارة، وستكون الفرصة سانحة أكبر للصين وروسيا لتتغلغلا بعمق أكبر في المنطقة، وقلب موازين الحليف الأكبر للمنطقة، مع موقف أوروبي محايد متوقع.
وفي المقابل لا بد من وجود العراق المقسم كجزء من منظومة الدمار الخلاق، وإعادة البناء وتعزيز خريطة الطريق الأنجلو أميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتمثل البلقان التقليدية جائزة جيوسياسية محتملة في النضال من أجل التفوق الأميركي، كما أن البلقان «الأوراسية» هي أيضاً ذات أهمية جيوسياسية، ولذلك تركيا وإيران بالنسبة لأميركا ليستا مجرد دولتين كبيرتين في الشرق الأوسط، بل صمام أمان للمصالح الأميركية سواء في البلقان ومستقبل الطاقة في العالم، وهذا الذي يجب أن يُستوعب سريعاً كون الصين وروسيا لديهما الاهتمام البليغ نفسه بتلك الجائزة الثمينة بسبب تركيز هائل من الغاز الطبيعي والاحتياطيات النفطية والمعادن المهمة، بما في ذلك الذهب، وهو بدوره يبرز أهمية دول صغيرة في الوطن العربي لارتباطها بتلك المنظومة، وأهمية إنهاء أي صراع عربي-عربي أو خليجي- خليجي، والتركيز على النمو والتفوق النوعي في جميع المجالات، واستغلال أمثل لرأس المال البشري، وإيجاد حل دولي للانقسام السُني- الشيعي، الذي يهيمن على السياسة في الشرق الأوسط.