الحصار الإعلامى حول مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مصطفى الفقى
لقد تابعت بعض محطات (التلفزة) الدولية عند تعرضها لأخبار مصر وأحوالها فأيقنت أن هناك حصارًا لا أخلاقيًا مضروبًا على مصر فى محاولة لتشويه كل ما يتصل بها أو يخرج منها، ولقد صادفنى فى أسبوع واحد أن شاهدت ما تقوله الـ (CNN) الأمريكية والـ (BBC) البريطانية و(الجزيرة) العربية لكى أخرج بانطباع مؤكد أزداد اقتناعًا به يومًا بعد يوم ومؤداه أن القوى الدولية والإقليمية لا تريد لمصر أن تحلق إلى أعلى، لأنهم يرون فى ذلك خطرًا يهدد مصالحهم ودورًا حيويًا ينتقص منهم، وهم بالمناسبة لا يريدون لمصر السقوط الكامل لأنهم يرون فى ذلك انهيارًا شاملًا للمنطقة كلها وتلك معادلة غريبة وضعها الغرب، وفى مقدمته بريطانيا لتحجيم الدور المصرى لأنهم يتوهمون دائمًا أن مصر القوية لا تكفيها حدودها فقد خرج محمد على شرقًا وجنوبًا وشمالًا كما أن عبد الناصر قد نشر الوجود المصرى كمظلة عالية للمد القومى فى عصره، ولذلك فإنهم يرصدون كل صغيرة وكبيرة تحدث ويصنعون العقبات أمام السياسة المصرية بصورة تجعل تسميتهم بقوى الشر أمرًا طبيعيًا، ولقد كان يوم الثلاثين من يونيو عام 2013 والإجراءات الدستورية التى تلته فى الثالث من يوليو وامتد تأثيرها حتى اليوم بمثابة تحول كبير فى تجسيد شخصية مصر المعاصرة أمام التحديات التى تواجهها والمشروعات الغامضة التى تستهدفها، وقد يكون من المناسب أن نطرح هنا بعض الملاحظات:
أولًا: إن ما يجرى ضد مصر ليس جديدًا عليها بل لقد تعودته القاهرة أمام كل الأحداث الكبرى التى مرت عليها، وهل ننسى ما جرى عام 1956 عندما تمخض تأميم عبد الناصر لقناة السويس عن العدوان الثلاثى على الأرض المصرية، ومحاولة احتلال المدينة الباسلة بورسعيد؟ وهو أمر حدث من قبل عندما خلق البريطانيون حالة من الفوضى فى مدينة الإسكندرية ثم استثمروا تلك الحالة الطارئة للادعاء بغياب السيطرة الكاملة على المدينة والدعوة إلى احتلالها عام 1882، ونحن نشعر حاليًا بمحاولات تكاد تكون يومية لاستهداف مصر فى جميع المجالات للنيل منها وتعطيل مسيرتها وتعويق قوة الدفع لديها إلى الأمام.
ثانيًا: إننا لا نسقط أسرى لنظرية التفسير التآمرى للتاريخ - وإن كنا لا ننكر وجود المؤامرة فيه - لذلك فإننا حين نكتب عن الحصار المضروب على مصر فى هذه الظروف فإننا لا نتوهم غير الحقيقة ولا نستسلم لعقدة تاريخية نعانى منها ولكننا نرصد رصدًا أمينًا ما يجرى على حدودنا الشرقية والغربية وينتشر أحيانًا فى أنحاء الجسد المصري، وليس من شك فى أن الدفاع عن مصر هو دفاع عن المنطقة كلها لأن مصر هى (الجائزة الكبري) التى يعنى سقوطها - لا قدر الله - سقوط المنطقة بأسرها ولكن لحسن الحظ فإن مصر عصية على الانهيار لأنها تجسيد لفكرة الدولة المستمرة دون انقطاع منذ آلاف السنين.
ثالثًا: لو تأملنا التحرش التركى الأخير تجاه مصر بالادعاء برفضها لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص رغم أن هذه الاتفاقية الرسمية هى اتفاقية دولية جرى التوقيع عليها منذ مدة وإيداع نصها لدى المنظمة العالمية الأولى وهى الأمم المتحدة، ولكن أولئك الذين يترصدون مصر لا يتوقفون أبدًا عن استهدافها والضغط عليها وكأنما يتصور (أردوغان) أنه الخليفة العثمانى يتحدث إلى المسئولين فى الولاية المصرية محاولًا فرض إرادته واسترجاع عقارب الساعة إلى الوراء.
رابعًا: لقد كان لدور عائلة الحاكم فى مصر تاريخيًا وضع خاص وميزات كبيرة ولحسن الحظ فإن الرئيس المصرى الحالى لا يمكن أحدًا منه ولا يفتح ممرات مظلمة للفساد كما لا يسمح أيضًا بتحكم قبضة الاستبداد، وتلك كلها إشارات إيجابية توحى بأن مصر ستظل صامدة أمام الرياح العاتية وأن التحالف ضدها والتآمر عليها إنما يزيدها صلابة ويجعل شعبها أكثر إصرارًا على المضى فى طريقه.
خامسًا: تأتى كل هذه الأحداث فى إطار إعلام مصرى انصرف عما يجب عليه وخضع لنوع من الإثارة المرحلية بشكل لا يوحى بتحمل المسئولية الوطنية أو التصدى للحرب الإعلامية الشرسة على وطن ينشد السلام ويسعى للاستقرار ويبنى قواعد المجد وحده!
سادسًا: إن مصر التى تحارب الإرهاب الأسود فى معركة شرسة تقوم فى الوقت ذاته ببناء دعائم الدولة الحديثة وفى غمار جدية ما تفعل فإنها تترفع عن كثير من الصغائر ولكن ذلك يغرى البعض فيتمادى فى تطاوله على الكنانة ولا يتوقف عن مواصلة الأحلام التى جرى إجهاضها بضربة قاصمة فى يونيو ويوليو 2013.
سابعًا: إن مصر قد صرفت جهود السنوات الأربع الماضية فى بناء الـ (Hard Ware) من بنية أساسية شملت الطرق والكبارى والمطارات وتعزيز الكهرباء وتوفير مصادر الطاقة وأصبح أمامها أن تتجه فى المرحلة القادمة إلى ما يمكن تسميته بالـ(Soft Ware) حيث يتعين على القائد وشعبه السعى الحثيث لتربية الكوادر الوطنية لأن صناعة الإنسان هى الأولى بالرعاية وهى تمثل دائمًا التتويج الحقيقى لكل مد نهضوى أو حركة إصلاحية، من هنا فإن الإنسان هو الهدف وهو الغاية خصوصًا فى قطاعات الشباب والأجيال الجديدة وذلك من خلال التركيز على التعليم والتدريب والبحث العلمى والإعلام والثقافة ومؤسسات المجتمع المدنى المختلفة.
هذه انطباعات صادقة لمرحلة حاسمة فى تاريخنا الوطنى .. حمى الله الكنانة وشعبها الذى صنع الحضارات فى مختلف العصور.