جيبوتي على خطى وخطيئة إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سالم حميد
تعتبر إيران من أكثر دول العالم نقضاً للاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والدولية، ولها تاريخ مليء بانتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية وخيانة العهود والمواثيق البينية والدولية. وما يعرف في إيران بـ«الكريسنت» يمثل أحد الإثباتات والأدلة البارزة على ذلك، ففي عام 2001 وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية عقداً مدته 25 عاماً مع شركة نفط الهلال الإماراتية يقضي بتصدير 17 مليون متر مكعب من الغاز يوميا لدولة الإمارات من حقل سلمان الإيراني في الخليج العربي، غير أن الجانب الإيراني أخل بالاتفاقية وتأخرت إمدادات الغاز وأوقفت طهران العمل بهذه الاتفاقية، في انتهاك صارخ للمعاهدة الموقعة مع الشركة الإماراتية، ما اضطر شركة نفط الهلال إلى إحالة نزاعها مع شركة النفط الإيرانية إلى المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي عام 2009.
وكانت نتيجة التحكيم لصالح الشركة الإماراتية، واعتبرت المحكمة الدولية، عام 2014، أن هذه الاتفاقية سليمة وملزمة للطرفين، وألزمت إيران بغرامة مالية قدرها 18 مليار دولار تدفعها للإمارات. وأثارت هذه القضية ضجة إعلامية كبيرة في إيران، وساهمت في تحريك النزاع بين الأطراف السياسية في إيران، وأكد العالم الاقتصادي الإيراني «إبراهيم زراقي» أن المصالح الوطنية الإيرانية تضررت نتيجة عدم مراعاتها في هذه الاتفاقية، وأكد الخبراء الإيرانيون أن نقض بلادهم للاتفاقية سيكلفها خسارة نحو 30 مليار دولار.
حجم الخسارة المفجعة وردود الأفعال المدوية على نقض هذه الاتفاقية جعل السلطات الإيرانية تبحث عن أي خدعة للتملص من التزاماتها الموثقة، فنظمت حملة إعلامية ادعت فيها وجود قضايا فساد ضد مسؤولين إيرانيين بينهم وزير النفط، وأنه يتعين إدخال الاتهامات بحق المسؤولين الإيرانيين في هذه القضية لخلط الأوراق وتقديم كبش فداء بدلاً من خسارة هذا المبلغ الضخم، غير أن كافة الجهود الإيرانية ذهبت أدراج الرياح واصطدمت بجدار الفشل، وأعلنت محكمة لاهاي أن القرار سليم ونهائي ومُلزم، وأن «شركة النفط الوطنية الإيرانية» أخلّت بالتزامات عقد توريد الغاز منذ عام 2005.
وعلى نفس الخطى والخطيئة تسير جيبوتي اليوم في إعلانها نقض الاتفاقية مع الإمارات وإنهاء العمل بعقد امتياز يتيح لشركة تملكها «موانئ دبي العالمية» استخدام محطة حاويات «دوراليه» التي تعد نقطة العبور الرئيسة إلى إثيوبيا، وقد وقعت هذه الاتفاقية في عام 2006 ومدتها خمسون عاماً.
وحفاظاً على حقوقها القانونية، باشرت شركة موانئ دبي الإجراءات القانونية لمقاضاة جيبوتي أمام محكمة لندن للتحكيم الدولي لحماية حقوقها ولإثبات صحة الاتفاقية وإلزاميتها، أو لتأمين الأضرار والتعويض في حالة خرقها أو مصادرتها. وتهدف الحكومة الجيبوتية من هذا السلوك غير القانوني إلى إجبار «موانئ دبي العالمية» على إعادة التفاوض على شروط عقد التنازل، والتي قررت محكمة الفصل في النزاعات الدولية، ومقرها لندن، أنها شروط عادلة ومنطقية، وأن الاتفاقية سليمة ولا لبس فيها.
إن ما قامت به الحكومة الجيبوتية يعتبر خرقاً لالتزاماتها واتفاقياتها مع الطرف الإماراتي، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ستدفع ثمنه غالياً، لاسيما أنها كانت تجني أرباحاً بمئات ملايين الدولارات، وقد عززت من موقفها وجاذبيتها كمنطقة استثمارية في شرق أفريقيا بفضل الشركة الإماراتية.
الخطوة التي قامت بها جيبوتي تعتبر خطأً اقتصادياً وسياسياً وقانونياً استراتيجياً، وقراراً متسرعاً، ولا شك أن هناك أيادي خارجية، قطرية تركية، اخترقت السيادة الجيبوتية وضغطت عليها للقيام بهذه الخطوة الرعناء من أجل إلحاق الضرر بالاقتصاد الإماراتي من جهة، ولاستغلال هذا الحدث إعلامياً للإساءة إلى الإمارات من جهة أخرى. غير أن موانئ دبي العالمية أكدت بأن مثل هذا الإجراء لن يكون له أي تأثير يذكر على المجموعة، كما أكد الخبراء القانونيون أن موانئ دبي سوف تكسب القضية لا محالة، بسبب قانونية اتفاقها، واكتمال شروطه، وسلامة بنوده. أما الخبراء الاقتصاديون فيرون أن ما قامت به جيبوتي مشابه لما قامت به إيران عندما أخلت باتفاقية الكريسنت، وأن عواقبه ستكون وخيمة على الاقتصاد الجيبوتي نفسه، إضافة إلى قرار المحكمة الذي سيلزم الحكومة الجيبوتية بغرامية مالية كبيرة لا محالة.