الشباب المصري من رقم في المشهد السياسي إلى لاعب في الكشف الانتخابي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أمينة خيري
اقترب اليوم الكبير، ودقت ساعة الاستعداد، وحانت لحظات الدفع والتشجيع والتحفيز. محيط الكثير من الجامعات الخاصة يحمل لافتات تأييد ضخمة، وأخرى رسمية تشير لافتات التوعية فيها إلى ضرورة المشاركة وأهمية الدلو بالدلو وإلا فإن التذمر مرفوض والتبرم مكروه.
أستاذ جامعي في جامعة رسمية دخل في سجال مع مجموعة من الطلاب حول المشاركة في الانتخابات. هو قال إن من لا يشارك في الانتخابات لا يحق له أن «يفتح فمه» اعتراضاً. وهم قالوا إن مشاركتهم كعدمها وإنه حين تكون الساحة الانتخابية غير مرضية، فإن أحداً لا يمكنه أن يعترض على عدم مشاركتهم أو ينتقد بقاءهم في المقاهي.
المقهى الذي يرتاده شباب الطبقة المخملية والنصف مخملية في شارع النزهة في حي مصر الجديدة الراقي حافل برواده من الجنسين. منهم من ينهي عمله ويعود إلى زاويته المفضلة حيث وجبة طعام ثم «نرجيلة» وسجائر وأحاديث لا تنتهي، ومنهم من ينتهي من محاضراته الجامعية ويلجأ إلى ركنه الصاخب حيث قليل من المذاكرة وكثير من النميمة.
وعلى رغم اللوحة الإعلانية الضخمة المواجهة للمقهى والتي تشير إلى أن الحاج فلان يدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية «من أجل مصر» و «علشان تبنيها»، إلا أن محتوى اللوحة لم يؤت ثماره المرجوة لدى كثيرين، فبين راغبين في التغيير دون وجهة محددة أو رؤية موحدة أو جهد مبذول يصب في المطلوب، وعائدين أدراجهم إلى خانات الانعزال عن الشأن العام وعدم الاهتمام بمن يحكم من ومن يفعل ماذا ولماذا، ومنغمسين في حياتهم اليومية وأحلامهم المستقبلية التي يعتبرونها بعيدة كل البعد من الشؤون السياسية، ومخططين لهجرة قد تكون موقتة صوب الشرق أو دائمة صوب الغرب يرجح الجو العام ألا تكون نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بينهم مرتفعة. حتى أولئك المؤيدون للرئيس السيسي والداعمون توجهاته في الحكم وأولوياته في الاقتصاد والحرب التي يقودها ضد الإرهاب، لديهم تحفظات على طريقة «الكبار» في التحفيز وأسلوبهم في الترغيب من أجل المشاركة.
«المشاركة في الانتخابات لا تأتي بالإجبار، لا سيما إن كان الجمهور المستهدف طلاب جامعات على قدر كبير من الوعي أو شباب مثقفين ومتعلمين وقادرين على اتخاذ القرار بطريقة بعيدة عن الوعظ والإرشاد، أو التهديد والوعيد». ويضيف رامي عبد الله (26 عاماً) إنه انتخب الرئيس السيسي في عام 2014، ولو شارك هذا العام، فإنه حتماً سينتخبه، لكنه يشير: «لو قررت عدم المشاركة فإن ذلك سيكون بسبب أساليب البعض في الحشد والتحفيز التي لا تليق بإرادة المواطنين أو حتى بالرئيس. وأغلب الظن أن الرئيس السيسي نفسه ليس راضياً على هذه السبل القديمة والرديئة لتحفيز الناخبين».
الناخبون من الشباب لا يقفون في المربع نفسه في ما يختص بالمشهد السياسي، لكن المربع الذي يجمع كثيرين من انتماءات وتوجهات مختلفة هو المربع الرافض لأساليب الشحن العاطفي والدفع الشعبي والتحفيز بالترغيب.
الرغبة في المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي تحين بعد أيام تختلف عن التوجه العام السائد ألا وهو مناشدة الشباب ودفعهم إلى المشاركة تارة عبر ندوات تثقيفية وأخرى من خلال برامج توعوية وثالثة تنعكس في مبادرات فردية واقتراحات شخصية.
النائبة البرلمانية الشابة عن دائرة حلوان دينا عبد العزيز قالت قبل أيام إنها بصدد تقديم مشروع قانون يمنح الطلاب والطالبات درجتين إضافيتين كحافز حال مشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية. وقالت النائبة إن الغرض من الفكرة هو تشجيع الشباب على المشاركة، لا سيما وأنهم يميلون إلى العزوف عن المشاركة السياسية «نتيجة عدم التشجيع». فكرة القانون الذي طرحته النائبة في البداية عبر صفحتها على «فايسبوك» باعتبارها ساحة لتداول الرأي ومعرفة رود الفعل لاقت تأييداً كبيراً من قبل البعض، لكنها لاقت أيضاً رفضاً كبيراً من قبل البعض الآخر.
المؤيدون عبروا في تعليقاتهم عن جودة الفكرة وإنها بمثابة مكافأة على القيام بعمل وطني وواجب شخصي من منطلق أن نتائج الانتخابات يتحملها الناخبون سلباً وإيجاباً، وأن غير المشاركين لا يحق لهم التذمر من سوء الحكم أو الإدارة عكس المشاركين الذين يكون لهم حق الاعتراض ومحاسبة المنتخبين المخطئين والمقصرين.
على الجانب الآخر، رفض المنتقدون الفكرة واعتبرها بعضهم رشوة انتخابية شبيهة بعبوات الشاي والزيت والسكر التي توزعها جماعات الإسلام السياسي على الفقراء والبسطاء في مقابل انتخاب مرشحيهم. كما رفضها آخرون من منطلق إنها إهانة للطلاب واستهانة بعقولهم وتحويل التحصيل الدراسي إلى أداة إثابة وعقوبة في المشهد السياسي.
تقول النائبة إن «الهدف من المشاركة السياسية بداية هامة للنهوض بالمجتمع»، وأن الهدف من الفكرة «توعية الطلاب سياسياً لخلق نشء قادر على قيادة البلاد في مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتخطيط للمستقبل تخطيطاً جيداً».
وفي سياق مشابه، فإن جامعات عدة تعقد مؤتمرات وندوات تثقيفية هذه الأيام من أجل «التخطيط للمستقبل». كلية الآداب جامعة عين شمس عقدت مؤتمراً ضخماً عنوانه «الشباب وصناعة المستقبل» الأسبوع الماضي. وحفل المؤتمر بالكثير من الخطب والنقاشات التحفيزية للشباب، حيث أشار المتحدثون إلى أهمية مشاركة الشباب في الانتخابات الرئاسية «بغض النظر عن الاختيار»، وبغرض «كسر حاجز الرهبة من المشاركة السياسية».
وتتراوح ردود فعل شباب الجامعات على مثل هذه التعريفات، فبينما يرى البعض أنها حقيقة حيث يخشى البعض من فكرة المشاركة أو يهابها باعتبارها عملاً غير معتاد، وأن الجهود التي يبذلها البعض من أجل تشجيعهم على المشاركة مطلوبة ومن شأنها أن تنعكس إيجاباً على نسب المشاركة الشبابية، يراها آخرون مجرد جهود رسمية لحشد التأييد للرئيس السيسي.
إلا أن مثل هذه السجالات والاختلافات في الآراء والتوجهات تظل حكراً على فئة بعينها من الشباب، وهي الفئة المدركة للتحركات السياسية والتي تضع لنفسها حداً أدنى من التعامل مع الشأن العام حيث لا ترضى بالإملاءات أو الوعظ والإرشاد أو الحشد من أجل المشاركة.
يشار إلى أن حجم إقبال الشباب المصري على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية على مدار السنوات الثماني السابقة، أي منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 محط سجال وخلاف وتحليل وتحليل مضاد. فنسب المشاركة المرتفعة عقب ثورة كانون الثاني يراها البعض متوقعة لكن لا يمكن اعتبارها قاعدة عامة تقاس عليها المشاركات التالية، فالمشاركة عقب الثورات تكون أحياناً مدفوعة بالحماسة الوطنية والانجراف وراء أحلام تتعلق بالتغيير الآني.
يشار إلى أن انتخابات الرئاسة في عام 2012 شهدت إقبالاً غير مسبوق من قبل الناخبين المصريين العازفين على مدار عقود طويلة مضت، إذ بلغ عدد من شاركوا 26 مليوناً و420 ألف ناخب من أصل 52 مليوناً لهم حق التصويت. وتميزت هذه الانتخابات بنسبة مشاركة عالية من قبل الشباب، لا سيما من صُنفوا بأنهم «شباب الثورة». وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات عام 2014 الرئاسية 47.45 في المئة. وقيل وقتها إن المشاركة الشبابية كانت ضعيفة، إلا أنه لم تتوافر تصنيفات للفئات العمرية للمشاركين. وانتقد البعض حينئذ مسارعة بعض وسائل الإعلام إلى تأكيد تدني نسب مشاركة الشباب وهو التأكيد الذي بني من خلال ملاحظات شخصية لمن يصطفون في طوابير الإدلاء بالصوت.
وبحسب المقال التحليلي للباحث المتخصص في الشؤون العربية محمد محمود السيد والمنشور في مجلة «السياسة الدولية» التي تصدرها مؤسسة الأهرام (بتاريخ 5 حزيران/ يونيو 2014) تحت عنوان «رسائل سياسية: خرائط التصويت في انتخابات رئاسة مصر 2014»، فإن «كتلة الشباب التي تقدر بنحو سبعة ملايين من الأصوات الانتخابية سبق وعزفت عن المشاركة في استفتاء الدستور لعام 2014، وهي تلك الكتلة غير الراضية عن تطور العملية السياسية في مصر، سواء من منطلق انتقادها في شأن عبد الفتاح السيسي، ورفعها شعار «لا للحكم العسكري»، أو شعورها بالتهميش وعدم التمكين من قبل الأنظمة المتعاقبة منذ ثورة كانون الثاني (يناير)2011 في ظل رؤيتها إنها أصبحت رقماً مهماً في معادلة الحياة السياسية المصرية نتيجة دورها المحوري في إسقاط نظام مبارك».
وتشير إحصاءات المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) إلى أن نسبة الشباب المسجلين في كشوف اللجنة العليا للانتخابات وصل إلى 37 في المئة من إجمالي الناخبين في الانتخابات البرلمانية في عام 2015، وبلغت نسبة مشاركتهم في الجولة الأولى 20 في المئة وفي الجولة الثانية 18 في المئة.
وعلى رغم قيام عدد من «الشخصيات العامة» المصنفة بـ «المعارضة» بمقاطعة الانتخابات لما يصفونه بـ «استخدام النظام لأذرعه الإدارية والأمينة بصورة تحول دون نزاهة الانتخابات»، إلا أن الصورة العامة تشير إلى أن قاعدة عريضة من الشباب في وادٍ والشأن السياسي في وادٍ آخر، فبين نهى سالم (19 عاماً) طالبة جامعية، التي تقول إنها لن تشارك في الانتخابات لأنها لم تبلغ سن الـ21 عاماً بعد (كل من بلغ سن الـ18 عاماً له حق المشاركة)، ومصطفى حازم (20 عاماً) الذي يقول إنه كان يود المشاركة لكنه سيكون مسافراً في إجازة لدى والديه المقيمين في دبي في وقت الانتخابات في أيار (مايو) المقبل (الانتخابات الرئاسية تنعقد في 26 و27 و28 آذار/ مارس الجاري) تدور دوائر المشاركة السياسية الشبابية في انتظار أرقام المشاركة الشبابية التي كانت تعتبر نفسها «رقماً مهماً» في المعادلة السياسية ووجدت نفسها تتحول «رقماً مهماً» في الكشوف الانتخابية.