جريدة الجرائد

اهتمامات «فيسبوك».. لا تشمل الدول الفقيرة!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

 آدم تايلور: ظهر مارك زوكربيرج بشكل مختلف الأسبوع الماضي في جلسات استماع كانت منتظرة بشكل كبير أمام الكونجرس. فقد بدت عليه علامات عدم الارتياح في «البذلة» التي كان يرتديها بدلاً من قميصه المعتاد. وأثار سلوكه الكثير من الضحك على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الاهتمام الحقيقي تركز على أمرين، وهما شركة البيانات «كامبريدج أناليتكا» والمقرصنون الروس. وفي نص كلمة زوكربيرج أمام لجنتي التجارة والقضاء في مجلس الشيوخ ورد ذكر روسيا 38 مرة، وتمت الإشارة إلى شركة «كامبريدج أناليتكا» 72 مرة يوم الثلاثاء الماضي. وفي جلسة الاستماع أمام لجنة التجارة والطاقة في مجلس النواب ورد ذكر روسيا 34 مرة و«كامبريدج أناليتكا» 50 مرة.

لكن أكثر مشكلات «فيسبوك» إثارة للحنق تتمثل في سوء استخدام الموقع خارج أميركا الشمالية وأوروبا الغربية. وفيسبوك ليست مشكلة خصوصية فحسب في هذه الدول، بل إنها في بعض الحالات تصبح مشكلة حياة أو موت. وهذه المشكلات لم تتم الإشارة إليها تقريباً في مقر الكونجرس. ولكم أن تنظروا إلى الأمر على النحو التالي: هناك عدد كبير من الأميركيين يعتقدون أن الأمر احتاج إلى 90 مستشاراً في التواصل الاجتماعي في سان بطرسبورج كي يساعدوا في الميل بالناخبين نحو دونالد ترامب في انتخابات عام 2016. والآن تخيلوا ماذا عساه أن يحدث لو أن شيئاً مشابهاً لهذا حدث في كثير من الدول التي يعتبر فيها فيسبوك مرادفاً للإنترنت نفسه؟ ففي هذه الدول قد يهتم أشخاص وجماعات، بل والدولة نفسها، بنشر تضليل إعلامي لإثارة توترات محلية. وكثير من هذه الدول صغيرة وفقيرة، ولذا فهي غير مهمة تقريباً اقتصادياً لفيسبوك، ولا تحظى باهتمام من مقر الشركة الرئيسي في «مينلو بارك» في ولاية كاليفورنيا.

وأمثلة العالم الواقعي كثيرة بالفعل. ومن الأمثلة الواضحة، دولة ميانمار الواقعة في جنوب شرق آسيا، والتي يقطنها أقل من 53 مليون نسمة ونصيب الفرد فيها من الإنتاج المحلي الإجمالي يمثل خمس نظيره في الولايات المتحدة. فقد خرجت ميانمار في عام 2011 من عقود من الاستبداد العسكري، لكن عصفت بها توترات عرقية منذئذ. وفي عام 2017 تسببت حملة عسكرية في فرار أكثر من 600 ألف شخص معظمهم من أقلية الروهينجا المسلمة إلى بنجلادش المجاورة، لكن قبل ذلك تعرض عدد كبير من هذه الأقلية للتعذيب والقتل في بيوتهم وقراهم. وكتبت الباحثة والصحفية التركية زينب تفكجي تغريدة على تويتر قالت فيها: «هذا يثير جنوني إلى أقصى حد. فيسبوك لم تعتذر عن إهمالها الشديد لميانمار. وقد نشرت أنا تغريدة عن الأمر عام 2013 قائلة: الناس يتوسلون لفيسبوك منذ سنوات لتنشط في بورما/‏‏ميانمار.. والآن يوظف (زوكربيرج) عشرات الأشخاص. هذا خطأ تاريخي».

وأعلنت جماعات المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن فيسبوك لعبت دوراً محورياً بغير قصد في نشر خطاب الكراهية، بينما أذكت التوترات بين الروهينجا والغالبية البوذية في ميانمار. وهذه الجماعات قدمت عرضاً لأعضاء بارزين من مجلس الشيوخ، بهدف توضيح بطء فيسبوك في التعامل مع خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي في منصاتها، حتى بعد محاولات متكررة لتحديد المحتوى الخطير. ولم يذكر زوكربيرج ميانمار في كلمته المعدة سلفاً الأسبوع الماضي، لكنه واجه أسئلة بشأنها. فقد ألقى السيناتور باتريك ليهي، وهو ديمقراطي بارز في اللجنة القضائية، الضوء على تصريحات محققين في الأمم المتحدة أشاروا فيها إلى أن فيسبوك لعبت دوراً في «التحريض على إبادة عرقية محتملة». وسأل ليهي عن سبب استغراق الشركة وقتاً طويلاً للغاية كي تزيل التهديدات بالموت ضد أحد الصحفيين المسلمين هناك.

وأثار السناتور الجمهوري جيف فليك محنة الروهينجا في سؤال آخر يوم الثلاثاء الماضي. وفي اليوم التالي لم يتم ذكر ميانمار إلا مرة واحدة عرضاً. وأوحت إجابات زوكربيرج على الأسئلة بشأن ميانمار بأنه مهتم حقاً بدور فيسبوك هناك. واعترف زوكربيرج لليهي قائلاً: «ما يحدث في ميانمار مأساة مروعة ويتعين علينا بذل المزيد». لكن كما أشار أندرو كيريل من صحيفة «ديلي بيست»، فإن الاهتمام الذي حظيت به شخصيتا «دايموند» و«سيلك» المؤيدتان لدونالد ترامب، كان أكبر من الاهتمام بشأن إبادة جماعية محتملة على الجانب الآخر من الكرة الأرضية.

وفي الوقت نفسه، لم يرد ذكر لدول أخرى واجهت مشكلات مشابهة مع فيسبوك بالمرة. فقد نشر عدد من النشطاء المستقلين في مجال الإعلام في فيتنام خطاباً مفتوحاً إلى زوكربيرج شاكين فيه من تعليق حساباتهم، وأعلنوا قائلين: «دون اتباع نهج دقيق، تغامر فيسبوك بأن تمكن الحكومة وتتواطأ معها في الرقابة». ومشكلات فيسبوك متباينة في فيتنام وميانمار، ففي جانب تتمثل المشكلة في إزالة المحتوى بسهولة للغاية، وفي الجانب الآخر يبقى المحتوى لفترة طويلة للغاية. لكن لب المشكلة يتمثل في انتقاد واحد، وهو أن فيسبوك لا تولي الدول الصغيرة الاهتمام الواجب.

وفي سريلانكا، أدى تقاعس فيسبوك عن التحرك في مواجهة انتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين، بالحكومة إلى أن تغلق مؤقتاً الموقع في مارس الماضي. وصرح هارين فيرناندو وزير الاتصالات والبنية الرقمية في سريلانكا لموقع «بظفيد نيوز» قائلاً إن فيسبوك «قد تستغرق ثلاثة أو أربعة شهور قبل أن تستجيب. كنا قلقين. وفي هذه الحالة لم يكن لدينا بديل، لقد اضطررنا إلى حجب فيسبوك». ونشر موقع «بظفيد نيوز» تغريدة على تويتر جاء فيها: «التوترات العرقية في سريلانكا سابقة على موقع التواصل الاجتماعي، لكننا تحدثنا إلى مسلمين هناك وقالوا إنه بمجرد أن أصبح فيسبوك كاسح الشعبية في البلاد وخاصة وسط الأجيال الشابة، فإنهم شهدوا تكاثرا للقصص المعادية للمسلمين بطريقة لم يشهدوها من قبل».

ومن الواضح أن هذه الإجراءات المتشددة ليست مثالية في الواقع، بل تثير أسئلة تتعلق بالرقابة وحرية التعبير. لكن تقاعس فيسبوك عن التصدي لمشكلات العالم الحقيقي، سواء بسبب حواجز اللغة، أو الافتقار إلى المعرفة بشأن السياقات المحلية، يمثل نقطة انتقاد شائعة حول العالم. ومما يحسب لزوكربيرج اعترافه بالحاجة لتوظيف مزيد من الأشخاص ممن يعرفون اللغات المحلية ويعملون مع المنظمات المدنية للتعرف على المشكلات المحتملة بسهولة. وذكر زوكربيرج الأسبوع الماضي أن «تعريف خطاب الكراهية أو الأمور التي من الممكن أن تصنيفها عنصرية لإثارة العنف تتعلق أساساً اللغة، ولا يمكننا أن نفعل هذا من خلال متحدثين بالإنجليزية فحسب حول العالم».

وأشار كبير المديرين التنفيذيين لفيسبوك إلى أن شركته تعمل على التمكن من إزالة خطاب الكراهية الذي يتم التعرف عليه في ميانمار في غضون 24 ساعة، وهو تصريح تشبثت به آمال منظمات كثيرة. لكن السؤال المهم يتعلق بكيفية القيام بهذا في النطاق الهائل لفيسبوك. فلدى الشركة نحو 25 ألف موظف ونحو ملياري مستخدم يومياً أو أكثر. وقد تحتاج فيسبوك لتوظيف آلاف الأشخاص الآخرين كي تعالج مشكلاتها حول العالم. ولا عجب في أن يؤكد زوكربيرج على الدور الذي يستطيع الذكاء الاصطناعي لعبه في المساعدة على حل هذه المشكلات في غضون خمس أو عشر سنوات.

صحيح أن كثيرين من الناس يرغبون في أن تتحرك فيسبوك بشكل أسرع من هذا، لكن مثل هذه المقترحات ستكون أخباراً مرحباً بها على الأرجح لدى كثير من مستخدمي فيسبوك وجماعات الدفاع عن الحقوق. لكن هذه المقترحات نفسها قد تعني لبعض الحكومات والجماعات العاملة معها، أن قدرتها على نشر الكراهية والانقسام لن تصبح من خصائص فيسبوك، بل من آفاته.

*كاتب أميركي متخصص في الشؤون الخارجية

  «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف