ما بعد «طالبان»: «داعش» والإيغال في إدارة التوحش
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يوسف الديني
قدرة تنظيم داعش الإرهابي على التجدد والتأقلم على المستجدات الجيوسياسية في مناطق التوتر التي يعمل عليها - «الولايات» بحسب توصيفه - كبيرة وهائلة. صحيح جداً أنه يخوض معارك وجودية على الحدود بين العراق وسوريا؛ إلا أن تلك الحرب رمزية بالنسبة للتنظيم الذي يتعامل مع فقدان حلم ومشروع الخلافة على أنه ليس نهاية التجربة وإعلان الفشل، قدر أنه يريد الاستثمار في مناطق جديدة لتحشيد المقاتلين والكوادر العنفية من جديد، كما هو الحال في استهدافه قارتين بعيدتين عن عاصمة خلافته المزعومة، أفريقيا في الشمال، وقارة آسيا، خصوصاً في أفغانستان التي زاحم فيها تنظيم داعش حركة طالبان منذ عام 2015، حين انشق عن «طالبان» عدد كبير من الكوادر العنفية وبايعت البغدادي؛ خصوصاً في منطقة خراسان التي كانت تتحفظ على مبادرات «طالبان» السياسية.
الأحد الماضي أوغل «داعش» في استراتيجية «التوحش»، عبر عمليات نوعية مروعة ومرعبة، حيث تبنى انفجاراً كبيراً راح ضحيته نحو 60 شخصاً، مستهدفاً مركز تسجيل الناخبين في العاصمة الأفغانية، وأصيب أكثر من 120 آخرين. من بين القتلى نساء وأطفال جاءوا لتسجيل بياناتهم، وهو ما يؤكد أن توحش «داعش» كان المقصود به إرسال رسالة لمنافسيه على الأرض، وتحديداً «طالبان» و«القاعدة» من جهة، والحكومة الأفغانية من جهة أخرى.
رسالة «داعش» إلى «طالبان» هي الرسالة نفسها التي يطلقها في كل مكان يذهب إليه، «ابتلاع التنظيمات المحلية»، وانتقال تلك التنظيمات الإرهابية الصغيرة المرتبطة بالجغرافيا والسياق التاريخي إلى قلب تنظيم داعش واستراتيجيته العالمية، للتأثير على السياسات الدولية، ولفت الانتباه، واستهداف الدول الغربية والإسلامية، بهدف استقطاب الأتباع وإظهار قوته مجدداً، بعد تعثره في دولة الخلافة في مناطق التوتر، مستغلاً الانقسامات الكبيرة في صفوف «طالبان»، خصوصاً القياديين الذين يتنازعون إرث الملا عمر؛ دون أن تكون لهم رؤية توريثية كالتي ينحوها تنظيم القاعدة الآن، استغلالاً لرمزية بن لادن، ومحاولة إعادة إنتاجه عبر ابنه «حمزة».
الأكيد أن جزءاً من تخلي صقور «طالبان» عن التنظيم وانتقالهم إلى «داعش» هو بسبب المفاوضات المتعثرة مع الحكومة المركزية، والارتباك حول تحديد أولويات العمل في أفغانستان، من قبل المجتمع الدولي والولايات المتحدة وحلف الناتو، كما أن ثمة نقطة في غاية الأهمية لا يتم الالتفات لها حين الحديث عن الفروقات بين «توحش (داعش)»، وبين باقي التنظيمات المتطرفة، وهو الإرهاب الفوضوي الذي ينتج سمعة سيئة سرعان ما تستقطب المهووسين بالعنف والاستهداف الطائفي، لذلك تحدث هزات اجتماعية كبرى، كما رأينا في استهداف تنظيم داعش للشيعة الذين يشكلون أغلبية قومية الهزارة، وتستهدف تجمعاتهم الدينية ومناسباتهم الاجتماعية، الأمر الذي حدا حتى بحركة طالبان إلى أن تدين ذلك السلوك.
جزء من إشكالية الفهم لمعضلة الإرهاب العابر للقارات، وانتقال الحركات العنفية من مناطق إلى أخرى، وتأسيس جبهات جديدة وبشكل مفاجئ، هو عدم التفريق بين دوافعها ومآلاتها وبين البنى الفكرية وطرائق العمل «استراتيجية التنظيم» التي تميز تنظيماً إرهابياً عن آخر. وفي السياق الأفغاني هناك فرق كبير بين دوافع «طالبان» الجماعة المحلية الرافضة للحكومة، وعدم لعبها على الأوراق الطائفية أو استفزازها للمكون القبلي الأفغاني، الذي يحظى بتقدير وتأثير قد يتجاوز الآيديولوجي في بعض الأحايين، وبين دوافع تنظيم داعش الذين يريد استغلال حالة الوهن في الملف الأفغاني، لإعادة إنتاج نفسه واستقطاب المقاتلين من خلال المزايدة على محاذير «طالبان»، باستهداف الشيعة والمدنيين، والقيام بعمليات ضد الناخبين أو الحسينيات الشيعية، ولذلك لا يمكن فهم تصريح المبعوثة الأميركية الخاصة إلى أفغانستان وباكستان، أليس ويلز، التي علقت قبل أيام على الحالة الأفغانية بقولها: «إن تحقيق النصر على حركة طالبان، هو الطريق الوحيد لتدمير تنظيم داعش في أفغانستان».
قبل سنوات طرح الجدل حول ظهور «داعش» في بلد يملك بيئة على التحول إلى مركز جديد لانبعاث الإرهاب، بسبب التضاريس والموارد والتداخل بين القبلي والديني والعنفي، ودار نقاش في أروقة مراكز الأبحاث الأميركية والمواقع المتخصصة في تحليل التنظيمات الإرهابية، عن مدى الخطر الذي يشكله هذا الظهور الداعشي، أم أنه لا يعدو استبدال قناع «طالبان» بـ«داعش» لأسباب دعائية وتحشيدية.
مقاتلو التنظيم اليوم في كل مكان، وهناك حالة من الاستدعاء للمقاتلين من حول العالم للذهاب إلى الوجهة «الداعشية» الجديدة، حيث استطاع مقاتلو التنظيم أخذ مساحات كبيرة من ولايتي ننغرهار وكونار في شرق البلاد، قرب الحدود مع باكستان، وخاضوا معارك شرسة مع «طالبان».
واليوم تتحدث التقارير عن وصول أعداد كبيرة من المقاتلين إلى أفغانستان من أوروبا، خصوصاً فرنسا، وهناك تحالف طاجيكي «داعشي»، وبحسب كيتلين فوريست من معهد دراسة الحرب في واشنطن، فإن تنظيم داعش يريد تحويل جوزجان - حيث يسيطر على عشر مناطق فيها - إلى أكبر منطقة لوجستية جاذبة للمقاتلين الأجانب. في الجانب الآخر ما زالت المنظمات الدولية والحكومة الأفغانية تعيد تشخيص التعامل مع «طالبان»، أو الضغط على باكستان، في حين الآن الخطر اليوم يتجاوز ذلك بكثير، ربما هناك مشروع لإعادة إنتاج دولة الخلافة في خراسان، كجزء من الرد على الإخفاق في مناطق التوتر في سوريا والعراق.