«التعاون الإسلامي» منظمة جبلت على مواجهة التحديات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يوسف بن أحمد العثيمين
ليس غريباً على منظمة التعاون الإسلامي التي وُلدت من رحم المأساة، أن تعمل على مجابهة الأزمات، فهي المنظمة التي خرجت إلى الحياة من رحم مأساة حريق المسجد الأقصى لتنهض بدور معاصر وعملي يستند إلى القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية ويعلي من شأن الخصوصية الإسلامية، باعتبارها ثقافة جامعة تنشأ على الاعتدال والوسطية والتعايش وقبول الآخر.
وبعدما جرى تأسيس المنظمة في عام 1969 على يد المغفور لهما بإذن الله، الملك فيصل بن عبد العزيز، والملك الحسن الثاني، جمعت في ركابها ملياراً ونصف مليار مسلم في 57 دولة من أربع قارات، وأصبحت بذلك من أكبر المنظمات الدولية في العالم، يرفدها أكثر من ست وعشرين منظمة متفرعة ومنتمية ومتخصصة تغطي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والرياضية.
لقد مرّ على تأسيس المنظمة قرابة نصف قرن، كانت فيه ولا تزال البيت الجامع لشعوب تنوعت ثقافاتها وتشابكت مصائرها. وقد تطورت بصورة لافتة لتلبي احتياجات العالم الإسلامي وارتقت بسرعة إلى مستوى التحديات التي تشهدها الأمة الإسلامية.
48 عاماً فصلت بين قمة مؤتمر تأسيس المنظمة في 25 سبتمبر (أيلول) 1969. في أعقاب الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك، وقمة إسطنبول الاستثنائية التي التأمت على جراح القدس الشريف في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2017، بعد إعلان الرئيس الأميركي عزمه نقل سفارة بلاده إليها، لتعيد المنظمة تأكيدها دائماً على أنها الصوت الجامع للأمة الإسلامية، وملاذها في وقت النكبات، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الإسلامية المحورية؛ القدس.
فلقد قامت منظمة التعاون الإسلامي من أجل استنهاض همم دول العالم الإسلامي المترامي الأطراف، آخذة في الحسبان عددها الكبير وتقاطع المصالح وتباينها في بعض الأحيان، فضلاً عن نطاق المنظمة الواسع الذي يضم مجموعات إقليمية متداخلة في آسيا وأفريقيا والمنطقة العربية، ما أضفى عليها زخماً إيجابياً في بعض الأحيان، ولا ننكر أن هذه المساحة الشاسعة قد فرضت فتوراً في أحيان أخرى على المستوى السياسي.
وكما يضفي اسم (منظمة التعاون الإسلامي) قوة وثقلا من حيث مجموع دولها الأعضاء، التي تشكل مجتمعة أكثر من ربع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فإن تنوع الأنظمة السياسية لهذه الدول والفلسفات التي تقوم عليها، وضع المنظمة أمام تحدٍّ كبير تمثل في إعادة تقديم الإسلام للعالم باعتباره قاسماً مشتركاً بين هذه الدول، وشغل العالم الشاغل خاصة بعد أن اختطف الإرهاب والتطرف - منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وحتى ظهور تنظيم داعش الإرهابي - الإسلامَ وأصبغاه زورا على أعمالهما الإرهابية المتوحشة. ومن هذا المنطلق وأمام هذا الاستحقاق والواجب الديني والإنساني فإن دوراً كبيراً منوطاً بمنظمة التعاون الإسلامي يلزمها بتسخير منبرها الجامع لإيجاد خطاب معتدل ومعاصر يواجه خطر الإرهاب والتطرف الديني.
وكما وقف العالم الإسلامي وربما العالم كله مصدوماً أمام ظاهرة الإرهاب التي امتهنتها مجموعات مضللة تحيط بها كثير من الشكوك لتؤسس ما زعمت أنها دولة «الخلافة» بكل إسقاطاتها السلبية التي شوهت صورة المجتمع المسلم، فإن هذه الظاهرة من ناحية أخرى أفرزت ردود فعل أشدها عدوانية ما يعرف بالإسلاموفوبيا التي تعتبر من دون شك ظلاً قاتماً لشبح الإرهاب والتطرف.
لقد وجدت المنظمة نفسها بوصفها الجهة الدولية الوحيدة المنوط بها تقديم الحلول لهاتين المشكلتين معا، لتجلّي صورة الإسلام الحقيقية من جهة، ولتدافع عن حقوق الأقليات الإسلامية من جهة أخرى.
وفي هذا الظرف الشائك، فإن منظمة التعاون الإسلامي، وبالتفويض الذي حصلت عليه، واستناداً لميثاقها وقرارات قممها والاجتماعات الوزارية التي تعقدها بشكل دوري، قد اضطلعت بدورها، انطلاقاً من كون تلك الظاهرتين المتقابلتين همّاً واحداً للدول الأعضاء والمسلمين حول العالم، وبفضل الله ثم بالخبرات المتراكمة والصلاحيات الداعمة لعمل الأمانة العامة على مدى عقدين من الزمن تقريباً، أصبحت المنظمة متخصصة في مجالها وتحظى بثقة جميع الأطراف.
وبتحليل دقيق لمجريات الأوضاع، لم يشهد العالم الإسلامي في تاريخه، حاجة ملحة إلى منظمة جامعة تترجم إرادته وسعيه لأخذ مكانته الحقيقية في العالم كما هو حاصل اليوم، حيث تدفع الأزمات السياسية، والحروب الأهلية، وتغوّل الجماعات المتطرفة في عدد من دولها الأعضاء، نحو ضرورة إيجاد حلول جماعية لهذه الفوضى.
فالمنظمة ليست رفاهية يمكن الاستغناء عنها أو خياراً يمكن تأجيله، بقدر ما تُعد فرصة لا يمكن تفويتها ويجب توظيفها خاصة أن العالم الإسلامي يُوصف دوليا بالأكثر تعرضاً للكوارث الطبيعية، وما تسفر عنه هذه الكوارث من ازدياد أعداد اللاجئين والمشردين، وتفشي حالة الفقر.
ومع ذلك، فإننا في منظمة التعاون الإسلامي، نؤمن بأهمية شراكتنا في هذا العالم، وتقوم سياساتنا على قناعة مطلقة بأنه ما من حلول للنزاعات التي تشهدها مناطق مختلفة في العالم الإسلامي، أو خلاص لتلك الكوارث من دون تعاون الجميع، فالمنظمة لا يمكن أن تعمل وحدها، والتجارب التي خاضتها في كثير من دولها، تؤكد أن الجهد الحقيقي الذي يمكن أن يتوجه الإنجاز، هو ذلك الذي يستمد قوته من الإجماع الدولي، والدعم الإنساني لرسالة المنظمة السامية.
لقد مرّ العالم الإسلامي في منحنيات خطيرة، أكدت لنا على الدوام أن منظمة التعاون الإسلامي هي مؤشر عملي على قدرة دولنا الأعضاء على الاستجابة والتحرك. ومن دون التغاضي عن بعض الإخفاقات، فإن صورة النجاح التي تلخصها المنظمة على مدى عقود، وضرورة تكوينها تؤكد دائما صواب النظرة الثاقبة التي دفعت بقادة المنظمة إلى إعلانها والحرص على بقائها ودعمها، وقد دللت التطورات الأخيرة في العالم الإسلامي على هذه الحقيقة، لنعود إلى ما قلناه سابقا من أن المنظمة وُلدت من رحم الأزمات ونهضت كي تواجهها.
واليوم، وبقدر حجم الآمال المعقودة على منظمة التعاون الإسلامي، والحاجة الملّحة لجهودها في رأب الصدع ورصّ الصفوف وإذابة التباينات بين دولها، فإن المسؤولية الملقاة على عاتق أعضائها تزيد وتتضاعف، الأمر الذي يتطلب من هذه الدول المزيد من الدعم والثقة في دور منظمتهم الذي وإن بدا بعيداً في بعض الأحيان، فإنه يظل لازماً ومستعجلاً وحثيثاً، وهو جهد يمكن أن يضطلع بدور كبير في خدمة أمتنا الإسلامية طالما ترجمت المنظمة إرادة دولها وسعيها لذلك بعيداً عن المصالح الآنية وقريباً أكثر من شعار المنظمة في تعزيز (العمل الإسلامي المشترك) فعلاً لا قولاً.
ويبقى أن نطرح سؤالاً جامعاً ومصيرياً: هل فعلاً نحتاج إلى منظمة التعاون الإسلامي؟
يكمن الجواب في السؤال نفسه، حين نعي ثقل المنظمة ومكانتها والمساحة الشاسعة التي تحظى بها على الخريطة العالمية، فضلاً عن أهمية القضايا التي تعالجها والتي تستوجب إجماعاً إسلامياً من أجل حلها، لأن أي حلول أخرى بديلة ستكون مؤقتة وغير مستدامة.
- أمين عام منظمة التعاون الإسلامي