جريدة الجرائد

دعم خطوات تونس نحو الحوكمة المحلية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سارة فوير 

في 6 أيار/مايو، سيتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع في إطار الانتخابات الأولى للمجالس البلدية التي تشهدها البلاد منذ أن أطاحت انتفاضة 2011 بالحاكم المستبد زين العابدين بن علي وأطلقت موجة من الثورات في أرجاء منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبعد انتخاب المجالس البلدية البالغ عددها 350 مجلساً، ستجري استطلاعات رأي للهيئات الحكومية المحلية وما بين المناطق، التي تمثل مجتمعة خطوة طال انتظارها في عملية الانتقال الديمقراطية في تونس.

التأجيلات تؤدي إلى عدم اليقين

في ظل نظام بن علي الذي اتسم بقدر كبير من المركزية، كان المشرعون في تونس العاصمة يضطلعون إلى حدّ كبير بمهمة اتخاذ القرارات السياسية التي تؤثر على المجتمعات المحلية التونسية - وهي ديناميكية أنتجت فوارق مناطقية إجمالية وأججت مشاعر الاستياء في المجتمعات الطرفية. وخلال الموازنة الأخيرة التي تمّ تمريرها قبل الانتفاضة، خصص المشرعون 82 في المائة من الأموال للمنطقة الساحلية حول العاصمة، و 18 في المائة فقط إلى المناطق الداخلية، رغم واقع أن أكبر ثلاث بلدات ساحلية لا تشكل سوى حوالي 20 في المائة من إجمالي عدد السكان. 

وإذ أدركوا الحاجة إلى إصلاح هذا الخلل، رسّخ أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي التزاماً بالحوكمة المحلية في الدستور الجديد لعام 2014. وقد دعا الفصل السابع من الدستور إلى تفويض واسع النطاق للصلاحية السياسية والإدارية وتلك المختصة بالميزانية إلى الهيئات البلدية والمناطقية وما بين المناطق المنتخبة. وقد تُركت مهمة إدارة انتخاب هذه الهيئات وتحديد مسؤولياتها الدقيقة إلى المجلس التشريعي التالي.

إلّا أنّ البرلمان سيحتاج إلى ثلاث سنوات أخرى لتمرير قانون انتخابي محلي، مع تأخيرات أثارت انتقادات ناشطي المجتمع المدني الذين تتزايد شكوكهم إزاء التزام المشرعين باللامركزية. وثمة قانون ابتكاري أكثر إثارة للجدل - وكان موضع نقاش برلماني لستة أشهر - تَمثَّل بمنح الأفراد العسكريين وعناصر إنفاذ القانون حق التصويت في الانتخابات المحلية رغم ما نص عليه الدستور ببقاء الأجهزة الأمنية محايدة من الناحية السياسية. (ومن المقرر أن يصوت هؤلاء الأفراد والعناصر في 29 نيسان/أبريل، قبل التصويت العام في 6 أيار/مايو).

من ناحية أخرى، وعد البرلمان بتمرير قانون يحدد حقوق السلطات المحلية ومسؤولياتها قبل التصويت الذي سيجري في أيار/مايو. غير أنه حتى كتابة هذه السطور، لم تتمّ بعد الموافقة على هذا القانون، مما يعني أن الفائزين في الأسبوع القادم قد يجدون أنفسهم يعملون بجهد لتحديد أدوارهم.

وعلى الرغم من هذه الإحباطات، حظي قانون الانتخابات الذي تم إقراره في أوائل العام الماضي بالثناء بفضل مزاياه التقدمية على الصعيد الاجتماعي. وإلى جانب فرض المساواة الأفقية والعمودية بين الجنسين في القوائم الانتخابية، يجب أن يكون ثلاثة أعضاء على الأقل في كل قائمة دون الخامسة والثلاثين من العمر، وواحداً على الأقل من بين العشرة الأوائل شخصاً مصاباً بإعاقة جسدية.

تفاصيل القوائم الانتخابية

سمح القانون الانتخابي أيضاً لهيئة مراقبة الانتخابات المستقلة في تونس بالبدء بالإعداد لعملية التصويت لهذا العام. ويمثل 22 حزباً وائتلافاً القوائم الانتخابية في جميع أنحاء البلاد، لكن الأحزاب الثلاثة الكبرى تعكس الكتل المهيمنة في البرلمان، وهي: حزب "حركة النهضة" الإسلامي بزعامة راشد الغنوشي، و"حزب نداء تونس" العلماني الذي ينتمي إليه الرئيس الباجي قائد السبسي، وحزب "الجبهة الشعبية" اليساري. وتُعتبر "حركة النهضة" الحزب الوحيد الذي يرشح لوائح في كافة الدوائر البلدية البالغ عددها 350 دائرة، لكن "نداء تونس" يليه بفارق ضئيل هو 345 دائرة، في حين ستطرح "الجبهة الشعبية" 119 مرشحاً فقط.

وما يعكس التنظيمات الديمغرافية للقانون الانتخابي، أن 52 في المائة من المرشحين هم دون سن الخامسة والثلاثين، و30 في المائة من اللوائح الانتخابية ترأسها نساء (قفزة من 13 بالمائة في الانتخابات الوطنية لعام 2014)، في حين يترأس أشخاص من ذوي الإعاقات الجسدية 18 لائحة.

وعلى الرغم من ظهور تقارير عن مخالفات بسيطة نسبياً في الحملات [الانتخابية] في الأيام الأخيرة، فمن غير المحتمل حصول مخالفات كبيرة في التصويت، حيث سيكون هناك مئات من مراقبي الانتخابات المحليين والدوليين، كما أن جولتي التصويت، اللتين جرتا منذ عام 2011 كانتا حرتين ونزيهتين. ومع ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته الشركة التونسية المشهورة "سيغما للاستشارات" في كانون الثاني/يناير إلى أن معدلات الامتناع عن التصويت قد تصل إلى 62 في المائة. ومن أصل 5.3 ملايين تونسي تمّ تسجيل أسمائهم للتصويت بحلول أوائل نيسان/أبريل (من إجمالي عدد السكان البالغ 11.4 مليون نسمة)، سيكون أولئك المقترعين مسؤولين عن انتخاب 7,212  عضواً من أعضاء المجالس البلدية.     

التداعيات السياسية

بالنسبة لواشنطن، ستوفر الانتخابات في تونس مؤشراً مفيداً عن توجهات السياسة الإسلامية في العالم العربي "ما بعد الربيع العربي". وعلى وجه التحديد، ستُظهر النتائج القوة النسبية للمتنافسين الرئيسيين - "النهضة" و"نداء تونس" - بعد أربع سنوات تقريباً من الانتخابات الوطنية التي أوصلتهم إلى مراكز مهيمنة في المجلس التشريعي، وقبل عام واحد فقط من الجولة المقبلة من الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

وقد استثمر حزب "النهضة" بشكل خاص في توسيع قاعدة دعمه منذ عام 2014. ففضلاً عن دخوله الائتلاف بحزب علماني رائد، رسّخ وجوده في جميع أنحاء المناطق المحلية، متخلياً عن تسمية "الإسلام السياسي" لصالح "الديمقراطية الإسلامية"، حيث بدأ يفصل بين أنشطته الدينية والسياسية، ويتجنب الاستشهاد الصريح بمراجع دينية في خطاباته العلنية. وربما انطلاقاً من الرغبة في تجنّب مصير «الإخوان المسلمين» في مصر، كان العديد من هذه الخطوات موضع خلاف حاد داخل الحزب، ووفقاً لبعض التقارير، كلّف ذلك "حركة النهضة" خسارة الدعم في أوساط بعض الناشطين الأصغر سناً المحبطين بسبب ما يعتبرونه طمساً للهوية الإسلامية للحركة والتزامها بالأهداف الأصلية لانتفاضة 2011. وإلى المدى الذي تزكّي فيه الانتخابات الجناح العملي لـ"حركة النهضة" أو تقوّضه، من المرجّح أن تؤثّر على المدى القريب على الإستراتيجية السياسية لأحد الأحزاب الإسلامية القليلة في المنطقة التي لا تزال في الحكومة.

  

كما قد تمثّل الانتخابات المحلية الناجحة خطوة هامة أخرى نحو انتقال تونس إلى الديمقراطية - وهي خطوة يجب أن ترحب بها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب علناً. فقد سجلت البلاد العديد من الإنجازات الهامة خلال السنوات الخمس الماضية، من بينها إنشاء مؤسسات وطنية ذات تمثيل أوسع نطاقاً وأداء جدي نسبياً على غرار البرلمان، إلى جانب تحسينات كبيرة في إدارة التهديدات الأمنية من البلدان المجاورة وضمن حدودها الخاصة.  

إلا أن المكاسب السياسية والأمنية لم يقابلها تقدّم في المجال الاقتصادي، حيث أدى التضخم المرتفع والبطالة المستمرة وانخفاض العملة المذهل على مدى العامين الماضيين إلى جعل الكثير من التونسيين أسوأ حالاً مما كانوا عليه قبل الإطاحة ببن علي. وتشتد حدة هذه المشاكل على نحو خاص في الداخل، حيث انطلقت انتفاضة عام 2011 وحيث اندلعت التظاهرات منذ ذلك الحين على أساس سنوي تقريباً احتجاجاً على نقص الوظائف، وتباطؤ التقدّم في تطوير البنية التحتية، والإهمال العام من قبل المشرعين في تونس العاصمة.  

وفي النهاية، فإن التأثير الملموس للأصوات سيعتمد إلى حد كبير على الصلاحيات الممنوحة إلى الهيئات المنتخبة. وإلى المدى الذي ترسي فيه الانتخابات أسس الآليات المحلية للحوكمة والمساءلة، قد تسفر أيضاً عن تحسينات للمجتمعات المهمشة، مما يساعد بالتالي على استقرار جيوب الاضطرابات.   

يجب على واشنطن أن تُطَمْئِن حلفائها بأنها تنوي الحفاظ على دورها كشريك في هذه العملية. ويمكنها القيام بذلك من خلال إعادة توجيه الجزء الأكبر من مساعدتها في مجال الحوكمة بعيداً عن إعداد حزب سياسي على الصعيد الوطني وباتجاه بناء القدرات مع المجالس المحلية، إضافةً إلى توفير برامج تسهّل التنسيق بين البلديات والوزارات ذات الصلة في تونس العاصمة. وفي هذا الصدد، فإن اقتراح إدارة ترامب الأخير الرامي إلى خفض المساعدة إلى تونس من 180 إلى 85 مليون دولار يستحق إعادة النظر.    

 

سارة فوير هي زميلة "سوريف" في معهد واشنطن ومؤلفة الكتاب "ضبط الإسلام: الدين والدولة في المغرب وتونس المعاصرتين". (مطبعة كامبريدج، 2018).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف