البدايات الجديدة وذكريات الرياض
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
غيداء هيتو
فعلا تحقق انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، والذي كان أحد وعود الرئيس ترمب خلال حملته الانتخابية. لم تقع أزمة عالمية أو تندلع حرب إقليمية في المنطقة كما انبرى عرابو الاتفاق والمدافعون عنه. بل تتم الآن إعادة ترتيب الحسابات في المنطقة خصوصا في ما يتعلق بمستوى الإنتاج وسوق النفط، بالإضافة للاصطفاف الدولي في سوريا. الإدارة الأمريكية أعادت خلط الأوراق من خلال كوريا الشمالية وإيران لاستلام زمام المبادرة من جديد في الشرق الأوسط وشرق آسيا، أي أنها تعمل على هندسة بداية جديدة تمكنها من رفع سقف المساومة مع الصين وروسيا، بالإضافة إلى مقايضة تحجيم إيران في المنطقة العربية بنفوذ أوسع لحلفاء الولايات المتحدة. ما حدث كان نقطة تحول turning point، وقد يرتقي ويكون نقطة مفصلية critical juncture بلغة العلاقات الدولية، لكونه حدث عطل التوازنات القائمة وأوقف مسار التأثير السياسي لبعض الدول مما أوجد الفرص وعزز دور حلفاء الولايات المتحدة. البدايات الجديدة نقطة انطلاق معززة بالعزم المتجدد وبالوعي لأنها توظف الحكمة والخبرة المكتسبة من الماضي.
كان موضوع البدايات الجديدة هو الأبرز بين طلابي في آخر يوم من العام الجامعي، وهم في مرحلة الماجستير. حيث إن أغلبهم قد تقدم إلى وظائف في القطاع العام أو الخاص ومنهم من بدأ فعلا بالعمل. كان الشعور العام بينهم مليئا بالتفاؤل يتخلله بعض من التوجس. سألني الطلاب أن أقدم نصيحة عامة لمن اقترب من المرحلة العملية في حياته، فقلت لهم أن ينتصروا للحق، وأن يكتسبوا الاحترام بالإخلاص في العمل وإتقانه. جميلة هي البدايات الجديدة، بعض منها متوقع كحدث التخرج الجامعي مثلا، وبعض البدايات نصادفها بدون جهد متعمد ولكنها تحول مسار حياتنا لحكمة أرادها الخالق عز وجل.
تسرح بي الذكريات إلى أيام انتقال عائلتي من ألمانيا الى الرياض، وقد كانت بداية جديدة جدا. أذكر أن والدتي -حفظها الله- كانت حاملا بأخي ولكنها لم تتوقف عن الابتسام، فقد تحقق حلمها بأن تربي بناتها في بلد محافظ بعيدا عن صخب أوروبا. كم هي جميلة ذكريات الرياض، أيام دراستي في مدارس التربية الإسلامية، التنزه في حدائق الحي الدبلوماسي، العقارية ١، ٢، ٣،...، صلاة التراويح بجامع صلاح الدين الأيوبي. أتحدث هنا عن أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، أيام ما كان العيد إما بالدمام أو عمرة إلى بيت الله، أيام كان المشوار لبنده أو سيفويه لشراء التسالي ومجلة ماجد من مكافآت الوالد -حفظه الله- مقابل العلامات الجيدة في المدرسة. كانت التسالي والسكاكر أساسية وقت متابعة مسلسل سنشيرو، جزيرة الكنز، كابتن ماجد، وFull House. سنوات جميلة علمتني أن الجد والاجتهاد قيمة إنسانية، وأن الرياض من أجمل المدن، وأن الحكمة هي فعلا ضالتنا في الحياة فالحكمة ليس لها موطن.
ربما هي بشائر رمضان، شهر البدايات الجديدة، التي تنقلنا من عالم العمل والماديات إلى الأجواء الروحانية والعائلية وكل ما يلفها من ذكريات. كلما أسمع وأقرأ عن خطط التجديد والتطوير النابعة من رؤية 2030، أزداد تفاؤلا لأني أعلم أن الماضي كان جميلا وسيكون المستقبل أجمل مع جيل تأسس جيدا ليتحمل مسؤولية النهضة في بلاده. أختم هذا المقال غير السياسي بامتياز متمنية لجميع القراء رمضانا كريما وبداية جديدة وشهرا مليئا بالصفاء الروحي يثري حياتنا بأمل وعزيمة أكبر.
* رئيسة مركز دراسات المخاطر السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الولايات المتحدة الأمريكية.