أبوظبي و«المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد البشاري
عايشت على مدار أيام الأسبوع الماضي تجربة فريدة من نوعها، أعتبرها من أفضل تجاربي العملية التي تمتد لعقود عدة في العمل الإسلامي المؤسساتي والفكري، حيث استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل من الله تعالى، وبالرؤية الاستشرافية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبرعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، أن نضع اللبنات الأولى لتأسيس منظمة دولية غير حكومية «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة» كأول مظلة عالمية من نوعها لرعاية وتنسيق جهود مؤسسات المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، والارتقاء بدورها، وزيادة حجم تفاعلها في مجتمعاتها لتحقيق التطور الحضاري، وتشجيعاً لأفرادها على المساهمة في نهضة دولهم المدنية والثقافية والاقتصادية، وتصحيح الصورة النمطية الزائفة عن الإسلام والمسلمين، وكذلك تجسير الهوة الفكرية والثقافية بين مكونات المجتمع الإنساني.
ومبادرة المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ليست بديلاً لأي من المؤسسات الفاعلة ميدانياً داخل مجتمعاتها المحلية أياً كان نطاق عملها، لكن مهمتها ستكون مهمة تنسيقية وداعمة ومقوية للوجود الفاعل، ومرجعية لتعزيز مستقبل أفضل للوجود الإسلامي داخل المجتمعات غير الإسلامية. يأتي انطلاق المجلس تلبية لرغبة كثير من قيادات العمل الإسلامي الذين أوصلتهم أزمات التشرذم والتمزق، وتجنيد الآلاف من أبنائهم في جماعات متطرفة هدفها «التمكين» لمفاهيم التكفير والجاهلية بغية الوصول إلى الحكم على جثث الأبرياء.
هذا التغلغل لهذه الجماعات، والمبرمج من طرف دول داعمة مالياً وإعلامياً، أفقد المؤسسات الإسلامية في مجتمعاتها ثقة دولها وشركائها من بقية المكونات المجتمعية الأخرى، وأفسح المجال أكثر لتيارات العنصرية وكراهية الآخر التي أضحى بعضها يتحول إلى إطار سياسي وحزبي مؤثر في كثيرٍ من المجتمعات أكثر من ذي قبل.
هذه الهموم خيمت على أعمال «المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة»، التي استطاع المشاركون فيه أن يتقاسموا تجاربهم في بلدانهم متطلعون لغدٍ أفضل من أجل النهوض بالدور الحضاري لمجتمعاتهم عبر آليات عدة، منها تعزيز التنسيق بين مؤسسات المجتمعات المسلمة، وتمكينها من تبادل الخبرات مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية والمحلية، والعمل على تأصيل التعددية الثقافية، واحترام الخصوصيات الثقافية والفكرية، وتعزيز قيم الاعتدال والحوار والتسامح والانتماء للوطن ونبذ التعصب وتأكيد الحقوق المدنية والسياسية وتأصيل الخطاب الديني بما يساعد على التمكين، وكذلك تحصين تلك المجتمعات المسلمة من خطر التشدد والتطرف والإرهاب، وتفعيل آليات عديدة لتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام، وتأهيل الأسر والنشء تربوياً على قيم المواطنة مع تسليط الضوء على نجاحات أبناء المسلمين حول العالم، ونشر النماذج التي تعزز الممارسات الإيجابية والمساهمة الحضارية لأفرادها من خلال تفاعلهم المنفتح.
اختار المجلس شعاراً يتمثل في الآية القرانية التي تقول: «وقولوا للناس حُسناً» لتكون منطلق التعاون مع المؤسسات الإسلامية فيما بينها وبين دولها لتأكيد طبيعة العلاقة، التي يجب أن تتحكم في السلوك، وتعزز من قيم المواطنة والتعددية الثقافية، والانتماء للوطن والدفاع عن أمنه وسلامته. وأقر المشاركون «الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة للحقوق والحريات»، ورؤية لخطة استراتيجية للنهوض بالدور الحضاري للمجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية.
جاء الميثاق الذي صادق عليه 600 قيادة إسلامية من أكثر من 140 دولة حول العالم كترجمة علمية، وتعبير لمطالب المجتمعات المسلمة وإشكاليات العلاقة مع دولها ومكونات مجتمعاتها، حيث شمل على ديباجة من 30 مادة و14 فصل من 132 مادة حاكمة ومنظمة لهذه المجتمعات تأسيساً لأرضية عالمية مشتركة للتعايش السلمي تستلهم روحها من: المبادئ الإسلامية العظيمة، ومن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ومن الممارسات الإنسانية الفضلى لقيم المواطنة ولأجل كل ذلك جاء في المادة 29 - 30 من ديباجة الميثاق: «ارتضينا الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية لنكفل لأنفسنا جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة عن مقتضياته، ونقوم بموجبه، بحسن نية، بالالتزامات التي أخذناها على عاتقنا». ولأن اعتماد هذا الميثاق من شأنه أن يفضي إلى تدابير أكثر فعالية على الصعيدين الدولي والوطني، (فقد قرّرنا أن نوحّد جهودنا، ونُنشئ بمقتضاه مجلساً عالمياً يسمى «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة» يعمل على تحقيق أغراض ومقاصد هذا الميثاق، ويدافع عنه في المحافل الدولية، ولدى الدول غير إسلامية التي تحتضن مسلمين في احترام تام لسيادة هذه الدول وتشريعاتها الوطنية).