أسباب الفساد.. وأخلاق المواجهة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حسن حنفي
يعجب الإنسان كيف تتراكم وتتوالى ظواهر الفساد إلى الحد الذي نراه في مجتمع إسلامي يدّعي الفضيلة! وقد تنبأ القرآن الكريم بذلك وقال محذِّراً: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». كما قال: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».
وقد تراكمت حوادث الفساد على نحو متتابع، حتى أصبح الإنسان يتساءل: هل من رابط بينها جميعاً وفي سائر قطاعات المجتمع؟
يحج البعض، ويقوم بالعمرة من مكسبه الحرام، ويتم تسريب الأسئلة والأجوبة بالوسائل الإلكترونية الحديثة، بل إن طالب المعهد الديني يخفي السماعة في قدمه حتى يغش، ثم يتخرج إماماً يدعو الناس للأمانة والصدق! ويستمر نفس المنوال في الجامعة عبر صيغة الكتاب المقرر الذي يبيعه الأستاذ بنفسه للطالب في أول الفصل الدراسي، ثم يلخصه في ملزمة يأتي منها الامتحان قبل نهاية الفصل.. فيبيع علمه ثلاث مرات، مرة للدولة (يتقاضى مرتبه منها)، ومرتان للطالب.
ويستمر الفساد عن طريق الغش التجاري في المواد الغذائية: بيع الأسماك النافقة، والدواجن الميتة، ولحم الحمير.. والغش في الألبان ومنتجاتها والمياه المعدنية وغيرها.. رغم وجود جمعيات حماية المستهلك!
لقد أصبح الفساد هو الدخل الرئيس في حياة المواطن العربي، تلميذاً كان أم مدرساً، طالباً أم أستاذاً، إدارياً كان أم تاجراً، موظفاً صغيراً كان أم موظفاً كبيراً. ويتم تسريب البضاعة من أمناء المخازن، فإذا وصل الموظف إلى منصب رفيع، باع التراخيص وباع الأراضي العمومية، وهرّب ملايين الدولارات إلى الخارج خشية انكشاف أمره والقبض عليه.
الفساد سلوك عام له مبرراته الظاهرة، أي الفقر وعدم القدرة على العيش بالمرتب الحكومي في ظل غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، لكن ما هي الأسباب العميقة لكل هذا الفساد الضارب في الفرد والمجتمع؟
إن الفساد لا يعود إلى الأخلاق وحدها، بل إلى البنية الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد من المهد إلى اللحد. وهذا من أصعب الأمور على التغيير، إذ يحتاج تغييره وقتاً طويلاً، وربما عدة أجيال. وهناك عدة عوامل تشارك في تثبيت هذه البنية وجعلها سلوكاً سائداً، منها الفقر الذي يفسر فساد الفقراء كي يستطيعوا العيش. لكن ماذا عن فساد الأغنياء؟ إن غياب الرادع العقابي أيضاً له دور في انتشار ثقافة الفساد. لكن غياب الرادع العقابي وحده لا يفسر الظاهرة.. بل النموذج الاجتماعي هو ما يفسرها أساساً، أي حين يجد الشخص الفساد في كل مكان، فهو لا يستطيع استخراج رخصة البناء أو رخصة السيارة، أو البطاقة القومية، أو التوظيف أو نيل أبسط الحقوق.. إلا بعد تقديم الرشاوى!
ولعل العامل الحاسم في تفسير هذه الظاهرة هو العامل الثقافي، أي تصور العالم، هل نحن نعيش في عالم لا ضابط له أم في عالم يحكمه قانون؟ هل نعيش في عالم يخضع للأهواء الشخصية، أم في عالم يحكمه العدل والنظام؟ هل نحن في عالم يشعر الإنسان فيه بالقهر والظلم أم في عالم تحفظ فيه للإنسان حقوقه وواجباته؟ ألا تساعد التربية الوطنية منذ الصغر على احترام الجار وعدم مد اليد إلى ما يملكه غيره؟
يستطيع شعب فاق تعداده المائة مليون وله إمكانيات هائلة للإنتاج أن يزيد إنتاجه بحيث لا يمد يده إلى غيره، لولا وجود الفساد المقنّع. وهنا تستطيع الأخلاق الإسلامية الصحيحة أن تساعد في محاربة الفساد، وذلك بالعودة إلى عشرات الآيات القرآنية حول احترام حقوق الغير، وكذلك من خلال صناديق الزكاة، وعبر توزيع الثروة الوطنية بالعدل.. فالأمانة في الدنيا تمنع من التحجج بدوافع الشيطان وهي أهواء النفس الأمّارة بالسوء.