جريدة الجرائد

القبيلة والدية: أصابع تجارة البشر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي سعد الموسى   

ومن الجملة الأولى، سأطلب من كل المزايدين ألا يمتحنوا في موقفي هذا مفهومي وتقديري لثقافة القبيلة إن هي تمسكت بدورها التاريخي المحمود. كان للقبيلة أن تواكب حركة العصر الحضاري لتتحول إلى مؤسسة مجتمع مدني، ولكنها للأسف الشديد اتجهت للنقيض المعاكس. سأكتب اليوم كلمة حق في متلازمة القبيلة مع القصاص وفدية الدية.

ما نعيشه ونلمسه اليوم في جوانب هذه القضية ليس إلا أصابع المنتفعين باسم الإصلاح وهم في الحقيقة من محترفي التجارة برقاب البشر، وكل هذه المغالاة الزائدة عن أي خيال لن ترفع الأسعار حتى يصبح العفو والصفح من عاشر المستحيلات، بل ستزيد وطء الكارثة الإنسانية على مئات الأسر المكلومة التي تنتظر سنين من الجمر والعذاب من أجل ضوء خافت يخرج من بوابة السجن.
أكثر من هذا فهذه المزايدة والمغالاة في عتق الرقاب تنطوي حتمًا على عدة مخالفات شرعية وفقهية، ولم أكتب إلا مستنيرًا برأي شيخ علم وقاض شرعي أفنى أربعة عقود في هذا المجال. أولها، أنه لا يجوز رهن النفس البشرية ولا جزء منها من أجل الوفاء بالمال وأي رأي مخالف لهذا مردود بأدلة نقلية وعقلية. ثانيها، أن من القواعد الفقهية الثابتة أن «الساقط لا يعود»، وهذا يعني أنه لا يجوز فقهًا العودة إلى طلب القصاص بعد قبول الدية، حتى ولو لم تكتمل الدية؛ لأن كل من ترك خياره بعد منح الحرية له في الاختيار، فليس له أن يعود إليه عملاً بقاعدة «الساقط لا يعود»، ولا تسمح المساحة بسرد الأحاديث الصحيحة التي يعرفها جيدًا أهل العلم والقضاء الذين ذهب جمهورهم إلى سقوط القصاص لمجرد القبول بمبدأ خيار الدية. 
والخلاصة أن هذه التجارة القبلية المستنكرة ستكون وبالًا وكابوسًا على عشرات المنتظرين داخل السجون، فمن أجل فرد أو بضعة أشخاص حكمنا بالمستحيل على مئات كان باستطاعتنا مساعدتهم بديات معقولة ومقبولة. لو أن هناك شيئًا من العقل لأنقذنا البعض بعدة ملايين، بينما أنقذنا أيضًا معهم آلاف الأسر الفقيرة التي امتصت مزايدة الدية ومغالاتها حصة الزكاة التي ذهبت بعشرات الملايين إلى باب «عتق رقبة».

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف