الصومال والارتماء في أحضان قطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سالم حميد
كان الجناح المخادع في النظام الصومالي يبرر خيانته للاتفاقيات الموقعة مع دولة الإمارات العربية المتحدة وتراجعه عنها بذريعة انتهاج الحياد في العلاقات مع دول الخليج. بينما يعرف الجميع أن الموقف الصومالي المرتبك وغير الملتزم بالتقاليد الدبلوماسية الدولية تم بناءً على خلفية الاستقطاب القطري وضخ الأموال من قبل الدوحة لشراء الفاسدين، إلى جانب استثمار من لهم ميول وجذور إخوانية وعلاقات مع المنظمات الإرهابية. ولأن قطر لا تجيد سوى شراء من يتطابقون مع نزعتها الإرهابية ودعمها المستمر للمنظمات المتطرفة، فذلك ما حدث في الصومال عندما ارتهنت طبقة من الشريحة السياسية حديثة العهد بالحكم للوعود القطرية، التي تستغل الصومال وترغب في تحويله إلى ورقة للاستهلاك الإعلامي.
استثمرت الدوحة في هذا السياق هشاشة الوضع الصومالي وشيوع الأساليب البدائية في الإدارة الحكومية وفي قنوات اتخاذ القرار. وأخيراً استسلم الصومال للإغراءات القطرية ضمن بحث الدوحة المحموم عن الدول والأنظمة الفاشلة والضعيفة، بغرض استخدامها في مشروع تطويق المنطقة ببؤر تركية وإيرانية وإخوانية. وسقطت ورقة التوت التي كان النظام الصومالي يتستر وراءها ويخدع الآخرين بالحديث الزائف عن استقلال قراراته، بينما كان مخطط الدوحة لشراء الموقف الصومالي يمضي بمعرفة وإدراك وقبول نظام مقديشو.
فبعد مضي أسابيع قليلة فقط على العنتريات الرسمية الصومالية، التي رفعت شعارات مخادعة للشعب الصومالي الفقير، واستخدمت المزايدات الكاذبة، لإيهام الصوماليين والرأي العام بأن قرار التخلي عن التعاون مع الإمارات وإنكار جهودها السابقة ونقض الاتفاقيات السارية معها، إنما كان بقصد الحفاظ على سياسة الحياد المزعومة! انكشفت الإدارة الصومالية سريعاً، واتجهت قبل أيام أطراف محددة في حكومة مقديشو للارتماء من دون شروط في أحضان قطر، واتضح أن الحديث عن الحياد في الموقف من العلاقة مع دول الخليج كان كذبة كبرى. والغريب أن تجار المواقف في الصومال لم ينتظروا قليلاً بعد نقضهم للاتفاقيات مع الإمارات لكي تكون لهم مصداقية، وفضحوا متاجرتهم بملف العلاقات الصومالية الخارجية في وقت قياسي.
وبهدف امتصاص آثار فضيحة تعميد الارتهان الصومالي المكشوف للدوحة، جندت قطر ذبابها الإلكتروني لشن حملة استباقية على مواقع التواصل الاجتماعي لتبرير الخطوة الصومالية، التي لم تمر بسهولة حتى على المجتمع الصومالي نفسه. وبدأت التسريبات من مقديشو تتحدث عن خلافات حادة ورفض للخطوة التي قامت بها الرئاسة الصومالية منفردة من دون التشاور مع رؤساء أقاليم الصومال. لذلك لم تكن زيارة الرئيس الصومالي للدوحة في الأسبوع الماضي هي الحدث الأبرز، بل إن الخروج عن مبدأ الحياد المزعوم كان العنوان الأكثر تداولاً من الزيارة مدفوعة الثمن. في تأكيد واضح على أن إخلال الصومال بالاتفاقيات المبرمة مع دولة الإمارات منذ سنوات كانت مقدمة متعمدة قبل إعلان الانحياز المشبوه إلى قطر الداعمة للإرهاب.
وكانت القيادة الصومالية قد حاولت في وقت سابق توصيل رسالة للصوماليين، تغازل فيهم الروح القبلية المتعصبة وتتحدث عن استقلال القرار الصومالي. لكن التوجه بخضوع نحو قطر أثبت العكس، وأوصل رسالة مختلفة للشعب الصومالي، مفادها أن خيانة الصومال للاتفاقيات تعتبر سقوطاً سياسياً ومتاجرة بمصلحة الصوماليين. ففيما كانت الإمارات تستجيب لطلب المساعدات وتوفر كافة احتياجات الصومال وتنفذ مشروعات مستقبلية ذات فائدة كبيرة لمقديشو.. قامت الصومال بطعن الإمارات في الظهر واتجهت بأسلوب عدواني نحو قطر. ولا شك أن هذا النوع من السلوك في السياسة الخارجية، يجعل من يرتكب مثل هذه الخيانات في مرتبة العصابات التي لا ترتقي لأن تقود دولة عصرية.
أما التداعيات المتوقعة من زيارة فرماجو لقطر فإنها تداعيات صومالية داخلية بالدرجة الأولى، وتنذر بحدوث انقسامات وخلافات جديدة بين الحكومة المركزية ورؤساء الولايات الصومالية الذين يعارضون بشدة التحاق مقديشو بطابور الدوحة الراعية للإرهاب، ولا يستبعد أن يتم فتح ملف الأموال القطرية المشبوهة التي اندرجت ضمن تمويل الحملة الانتخابية لرجل قطر في مقديشو. وعلى الصوماليين أن يبحثوا منذ الآن بجدية عن استقلال قرارهم بعد أن انكشفت اللعبة القطرية بالكامل. ويبقى الفرق كبيراً بين الدوحة التي تضخ الأموال في الصومال لتمويل جماعات متشددة وصناعة زعماء تابعين لها، وبين النهج الإماراتي الذي اعتاد تقديم مساعدات لدعم التنمية وتقوية الجيش والأمن الصومالي لمحاربة المتطرفين.