استراتيجية الحرب الباردة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
زياد آل الشيخ
يقول أندرو مارشال: كانت سياستنا الدفاعية مقيدة بنهاية السنة المالية التي تحدد بناءً على الميزانية المقدرة للسنة القادمة، كان مارشال يشغل رئيس مكتب مستشار وزير الدفاع للتخطيط الاستراتيجي بوزارة الدفاع الأميركية في أوائل السبعينات الميلادية. بحسب مارشال، عند اقتراب موعد تقديم ميزانية السنة القادمة كانت قيادة الأركان تجتمع لمراجعة الميزان العسكري مع الاتحاد السوفيتي، كانت القيادة تدرس قدرات الاتحاد السوفيتي العسكرية من أسلحة وقوات، وتواجه ذلك بقائمة من المتطلبات العسكرية التي على وزارة الدفاع الأميركية تلبيتها للحفاظ على الميزان العسكري. كانت قائمة المتطلبات تمر بمجلس الشيوخ لإقرارها، فإما أن تقر جميع المتطلبات أو بعضها، وفي السنة التي تليها تعود قيادة الأركان لبدء العملية من جديد، وهكذا كل سنة.
كانت ملاحظة مارشال أن سياسة الدفاع الأميركية بهذه المنهجية خاضعة لقرارات العدو، حيث إنها منهجية قائمة على رد الفعل، ولا تتضمن رؤية طويلة المدى. وبمعنى آخر، كانت القيادة الأميركية تحاول منافسة الاتحاد السوفيتي في نقاط قوته، مهملة بذلك نقاط ضعفه أو قيوده. نتيجة لهذه الملاحظة قدم مارشال وثيقة استراتيجية لمواجهة الصراع العسكري تقوم على مرتكزات القوة التي تمتلكها القوات الأميركية، واستغلال نقاط ضعف الاتحاد السوفيتي، كان تقديم هذه الوثيقة في نهاية السبعينات نهاية فترة الرئيس فورد.
ركزت الوثيقة على اعتماد التقنية باعتبارها قوة وميزة تنافسية تمتلكها الولايات المتحدة، وبناءً على هذه القوة رأت الوثيقة أن الاستثمار في التقنية وتعزيز قدرات القوات الأميركية بأحدث التقنيات كفيل بدفع الاتحاد السوفيتي إلى محاولة تعويض النقص باستثمار مماثل. ولأن أميركا تمتلك قدرات وموارد أكبر في مجال التقنية فإن المنافسة في هذا المجال ستكبد الاتحاد السوفيتي تكاليف باهظة.
ما قدمه مارشال في الوثيقة هو استراتيجية لمواجهة الاتحاد السوفيتي، كانت نتيجة هذه الاستراتيجية عدة تحركات أدت إلى إجبار الاتحاد السوفيتي إلى زيادة الإنفاق في مجال التقنية مما أرهقه اقتصادياً على مدى عقدين حتى سقوطه وتفككه في نهاية الأمر. الاستراتيجية التي قدمها مارشال لم تتطلب مئات الصفحات لعرضها، رغم خطورة موضوعها، ولم تكن الاستراتيجية مدعمة برسوم بيانية أو معادلات رياضية معقدة، إنما فكرة أساسية يمكن تلخيصها في عبارات قصيرة. وحقيقة الأمر أن معظم الاستراتيجيات التي تطيل في عرض محتواها إنما تخفي حيرة حقيقية في التعبير عن الخيارات الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، تعبر الإطالة عن وجود حلول توافقية تتحاشى فيها قيادة المؤسسة الدخول في مواجهات داخلية يكون لها آثار سلبية. الاستراتيجية التي قدمها مارشال (37 صفحة) عرضت للتحديات، ثم قدمت الخيار الاستراتيجي، ثم عرضت لمآلات هذا الخيار. مهما كان حجم الموضوع أو خطورته لا يمكن للوصف الاستراتيجي أن يطبق بفاعلية ما لم يكن مختصراً وواضحاً.