لماذا نهتم بالإحصائيات؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الله الردادي
في عالمنا الديناميكي والمتغير بشكل متكرر، تزيد أهمية الإحصائيات لهذه التغيرات، وتشكل هذه الإحصائيات الأدوات الأساسية لقياس المؤشرات في شتى المجالات، ومن دون الأرقام الإحصائية الفعلية، فإن أغلب القرارات سوف تُتخَذ بناءً على آراء محضة يمكن التشكيك فيها، ودون استناد إلى وقائع فعلية يستحيل دحضها. وفي جميع دول العالم توجد مؤسسات حكومية تُعنى بهذه الأرقام، سواء من ناحية جمعها ونشرها أو حتى من ناحية تحليلها واستنباط نتائجها ودلائلها. بل إن كثيراً من الشركات توجهت إلى هذا العمل الإحصائي، وأصبحت تبيع هذه المعلومات بهدف الاستفادة منها سواء لأهداف اقتصادية وتجارية، أو لأهداف اجتماعية، ووصولاً إلى أهداف أكاديمية وعلمية.
على المستوى الدولي، فإن الأهداف الاستراتيجية للدول تستند إلى الإحصائيات للمساعدة في معرفة الاحتياجات والمشكلات، ومن ثم تحديد الأهداف بعيدة المدى، ومراقبة التقدم والانضباط في الخطط الوطنية. فكيف لدولة معرفة احتياجاتها الطبية دون معرفة عدد الأسرّة المتاحة مقابل العدد المطلوب؟! وكذلك الأمر بالنسبة إلى السكن، الذي يقوم عليه اقتصاد دول كبرى مثل بريطانيا، فمن دون معرفة عدد الممتلكين للسكن مقابل المستأجرين لن تستطيع الدولة تحديد ميزانية إنشاء المساكن في السنوات القادمة. هذه الإحصائيات أساسية في اتخاذ القرار، كما هي جوهرية في النشر عن المشاريع الحكومية، ومن خلال هذه الأرقام يتضح للمواطن أهمية المشاريع الحكومية، ووجود هذه الأرقام يوضح للمواطن شفافية اتخاذ القرار، وأن المشاريع لولا انحدار الأرقام لم تكن لتُقَرّ. كما أن وجودها وقت الإعلان عن القرار يمكّن المتابع من معرفة التقدم في هذا المشروع من خلال متابعة الأرقام في فترات مقبلة.
على النطاق الاقتصادي، يشكّل معدل الإنفاق المحلي إحدى أهم الإحصائيات المطلوبة تجارياً، فالشركات الكبرى تتخذ قراراتها التوسعية أو التقشفية حسب الإحصائيات والوقائع. وكثيراً ما تكون هذه الأرقام حساسة بالنسبة إلى الشركات لأسباب كثيرة، أولها أن عمليات التوسع أو التقشف في الشركات هي عمليات طويلة المدى، ولذلك فإن هذه القرارات لا تُتخذ إلا بعد التأكد من وجوبها. ولعل أقرب مثال على ذلك، ما يشاع أن مبيعات المتاجر الإلكترونية أخذت حصة لا يستهان بها من مبيعات قطاع التجزئة، هذه الإشاعة أكدتها متاجر التجزئة من خلال متابعة المبيعات في متاجرها مقارنةً بمعدل الإنفاق المحلي، واتضح أن النقص في مبيعات التجزئة ليس ناتجاً عن كساد اقتصادي، بل هو توجه من المستهلك إلى المبيعات الإلكترونية، وعليه فإن الكثير من شركات التجزئة بدأت فعلياً في مشاريع إغلاق بعض فروعها ولعل آخرها هو «مارك آند سبسنر» الذي أعلن عن إغلاق ما يقارب 100 فرع حول العالم.
جاء هذا الإعلان بعد انخفاض في مبيعات قطاع التجزئة بنسبة 0.08% في السنة الماضية و0.05% في هذه السنة. كما أوضحت إحصائية أخرى أن الكثير من النساء في بريطانيا يتوجهن إلى أماكن ترفيهية أخرى غير الأسواق مثل الأندية الرياضية والمسارح، مما يعني أن هذا الانخفاض في المبيعات قابل للاستمرار. هذا التنبؤ للانخفاض المستقبلي لم يكن ليتم لولا وجود إحصائيات شفافة تتيح للشركات معرفة التوجه التجاري واتخاذ القرارات مبكراً بشكل تدريجي دون الوقوع في خسائر فادحة. وعلى العكس من ذلك، فإن دخول استثمارات جديدة في الاقتصاد يتطلب معرفة الكثير من الإحصائيات المحلية حول معدل الإنفاق في المدن والمناطق المختلفة، إضافة إلى أرقام أخرى مثل معدل الرواتب والأعمار وغيرها.
وفي كثير من الدول العربية توجد مؤسسات فعالة في الإحصائيات، ولعل بعضها يتفوق بشكل كبير في جودة الإحصائيات المقدمة من قبله، إلا أن العديد من النقاط مفقودة في المنظومات الاقتصادية نفسها، ومن ضمن هذه النقاط وجود مراكز تحلل هذه الأرقام وتستفيد منها لتحولها إلى معلومة يستفيد منها القطاع التجاري والاقتصادي، وقبل هذا كله، فإن توعية القطاع التجاري بأهمية هذه الإحصائيات أمر مهم، لأن اتخاذ القرارات قبل البدء في المشاريع التجارية أمر سهل، إلا أن تغييرها بعد البدء فيها أمر مكلف على المستوى التجاري، وهذا أحد أهم الأسباب التي لأجلها نرى مشاريع تجارية تُغلق بعد أشهر قليلة من افتتاحها، مسببة خسائر فادحة لملاكها، وتخوفاً من بقية المستثمرين من افتتاح مشاريع جديدة. هذه التحليلات الإحصائية قد لا تتوفر إلا لدى الشركات الاستشارية ذات الأجور الباهظة، والتي –بأسعارها لا بعملها- لا تشجع المستثمر على الذهاب إليها قبل البدء في مشروعه. أما لو كانت هذه التحليلات متاحة للجميع فإن التاجر لن يرى ضيراً في الاطلاع عليها ومن ثم الأخذ بنتائجها.