إنها غلطة فولتير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فضيلة الفاروق
لم يعرف فولتير في خلال رحلة حياته المليئة بالتمرد أنه سيواجه مجتمعا شرسا لن يتغير إلا بضربة حظ، ربح اللوتو وأصبح ثريا، وتفرّغ لانتقاد كل مَن يزعجه من قاعدة مجتمعه إلى قمته.
في بداية القرن الثامن عشر، هدد فولتير بأفكاره عرش فرنسا وسلطة رجال الكنيسة، وهروبه لحماية أفكاره لم يكن نابعا من خوف جبان بقدر ما كان معرفة واثقة بوحشية أعدائه...
لم يكن الرجل مثاليا، فقد كان سيئا في بعض سلوكاته، وبلغ به الأمر أن كان مقززا في تصرفات يضيق المقام لذكرها، ومع هذا فقد أصبح عنوانا لعصر التنوير في فرنسا، ونبراس ثورتها، وعرّاب لغتها، فقد ورثت الفرنسية عباءته وارتدتها إلى يومنا هذا، فنقول لغة فولتير حين نتقصّد بالكلام اللغة الفرنسية، تماما كما ننسب لغتنا لحرف الضاد، وهو الوصف الذي أجده أقرب للغة من نسبها لشخص مهما كانت عبقريته اللغوية والأدبية كبيرة.
أمّا الغلطة التي نُسِبت لفولتير في القاموس الفرنسي، وجاءت بهذا التعبير الصريح «إنّها غلطة فولتير» فقد وردت في نصوص عدة، منبتها الأول توجيه تهمة إليه وتذكيره بغلطته تجاه المؤسسة الدينية، أما مرجعها الأدبي كما ورد في نص لفيكتور هيجو فقد جاء على لسان شخصيته «غافروش» في روايته الشهيرة «البؤساء» على شكل أغنية، سرعان ما اشتهرت حين تحولت الرواية إلى فيلم.
بعيدا عن معنى التهمة الثقيل، خرجت سيدة فرنسية تركت مهنتها القضائية في محاكم فرنسا، ومضت في حلمها القديم الذي ظلّ قابعا في تلافيف مشاعرها ورغباتها، ففتحت مكتبة في مدينتها، وأطلقت عليها اسم «إنّها غلطة فولتير»؛ كونها علِقت في فخ الأدب منذ أن قرأت كتابا لامس مواجعها، وصنع نقطة تحول في حياتها.
إنّها رحلة مختلفة تماما لـ «باسكال دي لافو»، ولا علاقة لفولتير بها لا من بعيد ولا من قريب، فالكتاب الذي صنع منعرجا حقيقيا في حياتها للكاتبة «شارلوت ديبو» بعنوان «لا أحد منا يعود»، وهو الذي قادها إلى الإبحار في لغة فولتير، لتدخل هي الأخرى تحت عباءته لا من باب التأثر به، بل من باب شهرة العبارة وقدرتها على التسويق لمشروعها الثقافي، وجمع أكبر عدد من القراء لمكتبتها، لقد أصبحت العبارة «علامة تجارية» أيضا حين تخطّت بحضورها أسوار الأدب، وأغلفة الكتب.
«لا شيء أسهل من الاستثمار في الثقافة» تقول باسكال، ويمكن للسائح أن يكتشف ذلك بنفسه، إن قرر أن يقضي عدة أيام في منطقة أمبواز الفرنسية على ضفاف اللوار - وهي منطقة تعج بكل أشكال الفن وسحر جمالياته – ويعرّج بالمرة على تلك المكتبة الشهيرة، التي قد تكون مُلهمة له ليحقق شيئا مشابها له في ديارنا...