بين الشقاء والسعادة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حسن حنفي
منذ فترة ليست بالطويلة، طالعتنا وسائل الإعلام بما يسمى «يوم السعادة»، ولم يعرف أحد ماذا يعني ذلك اليوم تحديداً؟ وكيف تكون السعادة في يوم واحد وليس في العمر كله؟ وهل هذا المطلب مستعصٍ في نظر الكثيرين إلى الحد الذي يجعلهم يكفون عن التساؤل حول ماهيته؟
لم يكن ذلك الاحتفال في كثير من البلدان نابعاً من القلب، بل هو أقرب إلى صناعة الوهم، حيث يرزح القلب تحت ثقل هموم لا تترك مكاناً حتى لطرح سؤال السعادة. لقد مر ذلك اليوم ولم يشعر به أحد، إذ لا أحد يصدق كثيراً من وسائل الإعلام حالياً. ولم يشعر به حتى الأطفال كما يشعرون بالأعياد الدينية مثلاً. لم يخرج أحد إلى المتنزهات العامة وحدائق الحيوانات، ولم يتزاور الأقرباء والأصدقاء والجيران ولم يتبادلوا الكعك والهدايا، ولم يشعر به الناس حتى كما يشعرون بالأعياد الوطنية، لم تعل الابتسامات وجوههم، ولم يتبادلوا النكات التي يحسنونها حتى في أوقات الأزمات تفريجاً عن الهمّ وتخفيفاً للكرب وتغطية للأحزان الداخلية.
فالغرب هو الذي اخترع هذا اليوم، تخفيفاً من إرهاق العمال في المصانع، وغياب معظم مسببات السعادة الباطنية، كما اخترع عيد الحب، ويوم الأمل.. لإحساس الغربي بأن حضارته لم تجلب له السعادة، لذلك فهو يحتاج أن يخصص لها يوماً، مثل يوم العمل، ويوم الخضرة، ويوم البيئة.. إلحاقاً بالأعياد الوطنية الكبرى في دوله.
ويعكس يوم السعادة في كثير من بلدان العالم النامي أحد مظاهر النفاق الإعلامي لتغطية ما فيه الناس من شقاء. وهذا يصدق على «يوم الحرية»، و«يوم الماء» (رغم أن بعضها مهدد بالعطش)، ويوم البيئة (وبعضها يفتقر لشبكات الصرف الصحي)، ويوم الصحة (وبعضها مهدد بالأوبئة المستوطنة والجراثيم الجديدة)، ويوم العمل (وبعضها غارق في البطالة).
وفي كثير من البلدان النامية نجد أنه حتى المثل الشعبي «يوم حلو ويوم مر» لم يعد مطابقاً للواقع الذي يحتاج إلى مثل شعبي آخر: «يوم مر وعُمر أمر»، لذلك نرى أن ابتهاج الإعلام بيوم السعادة هو مجرد غطاءً على الشقاء، بل هو نفاق خالص، لأن الإعلامي هو أكثر من يلاحظ شقاء الواقع.
وفي كثير من هذه البلدان يشعر الإنسان بأن السعادة مجرد موضوع للأفلام السينمائية التي يحرص الجمهور أن يرى نهاية سعيدة لها؛ بزواج الفقيرة من الغني أو الشقية من السعيد أو اللقيطة من صاحب القصر أو ساكنة الملجأ بالمسؤول الرفيع.
ومنذ الميلاد تعاني الأم في المستشفى من سوء الخدمة وعدم النظافة، ثم تعاني من نقص الغذاء، وارتفاع سعر لبن الأطفال. فإذا كبر طفلها لا تدري كيف تحميه من الأشقياء وتجار الأعضاء. وليس عندها المال لإدخاله النوادي ورياض الأطفال، فإذا دخل المدارس الحكومية لا يستطيع الاستمرار فيها دون الدروس الخصوصية. وإذا قُدر له دخول الجامعة ولم ينضم إلى صغار الصنايعية في مدينة الحرفيين والبوابين وماسحي الأحذية والعربات، فإنه يواجه بالكتب المقررة التي لا تملك الأسرة سعرها. فإذا تخرج في الجامعة لم يجد عملاً ينضم إلى الباعة الجائلين أو الثابتين في المحلات. ثم لا يستطيع مجاراة ارتفاع الأسعار في الأسواق. ويمرض الأبوان فلا يستطيع معالجتهما. فإن شعر بالعجز الكامل عن الزواج وتجهيز سكن له ولأولاده، قتل الجميع وانتحر أو هاجر بطريق لا شرعي وغرق في البحر قبل أن يصل إلى أرض الأحلام.
فهل السعادة صعبة المنال في العمر كله؟ يكون المواطن العربي سعيداً بتحرير ما بقي من أرض عربية محتلة، وبحماية ما تبقى من الدول الوطنية من التفتيت والتجزئة والتشرذم.. ويكون سعيداً طول العمر لو شعر بأن له مشروعاً قومياً يرث مشروع الستينيات في الوحدة والتحرر.. ولو عادت دوله الكبرى تلعب دورها الإقليمي مجدداً كما كانت في الستينيات، للحفاظ على استقلال المنطقة العربية.. فيكسب العرب الحرب القادمة بلا حرب!