جريدة الجرائد

في طريق الإنترنت

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بخيت

الزمن في زمننا هذا يتحرك بشكل سريع أكثر من أي زمن آخر، يذكرني بمصطلح حرق المراحل، شغل مصطلح حرق المراحل حيزاً كبيراً في نقاشات التنمية، كان واحداً من خيارات المخططين في الدول ولكنه خيار عالي المخاطر أو هكذا كان ينظر إليه أو نظر إليه بهذه الصورة كذريعة يلجأ إليها أصحاب المصالح المرتبطة بالجمود.

ما عجزت أو تمانعت كثير من الدول ومثقفوها عنه تأتي الإنترنت اليوم وتأخذه خارج أيدي المخططين وخارج قدرتهم على السيطرة، الأنظمة والقوانين التي تسنها الدول كقانون جرائم المعلوماتية على سبيل المثال سوف يتجاوزها الزمن وتصبح غير قابلة للتطبيق، تذكرني الأنظمة التي تسنها الدول هذه الأيام لمواجهة سيل الإنترنت الثقافي الجارف بقانون تجريم وتحريم جوال الكاميرا في المملكة، عندما صدر القانون كان جوال الكاميرا خياراً وكان مفهوم الكاميرا المدمجة في الجوال في حدوده التقليدية التي تعيدنا إلى الكاميرا في صورتها الأساسية.

ارتبطت الكاميرا قبل الجوال وقبل النت بثقافة ضيقة: جزء منها قائم على تحريم الصورة والجزء الآخر مرتبط بوضعها العملي المحدود، كانت جهازاً محجوزاً في الاستخدامات الرسمية أو في المناسبات أو الهوايات، إصدار قانون يمنع تداول جوال الكاميرا في ذلك الزمن لن يؤثر على الحياة اليومية للناس، انقلب الوضع اليوم تماماً.  لن تستطيع أي دولة على وجه الأرض أن تمنع جوال الكاميرا إلا بحجب الإنترنت وعزل الناس عن الحياة السوية، كانت وظيفة الجوال الأساسية تلفوناً متنقلاً، اليوم أصبح التخاطب عن بعد واحدة من خصائص كثيرة يتضمنها هذا الجهاز الصغير، في كثير من الحالات تتفوق عليه الكاميرا في الأهمية، ما شهدناه في العقدين الآخرين يشي باندثار قيم ونشوء قيم جديدة، القيم الثقافية التي قام عليها تحريم كاميرا الجوال اندثرت بالكامل، احترقت ولكن ليس بأيدي أو إرادة المخططين، حتى أشد المتعصبين لمنعه في ذلك الزمن سيخجل إذا ذكرته بموقفه ذاك.

 لم يعد في مقدور أي بلد أن تصنع ثقافتها بنفسها أو تصون ثقافتها التقليدية، حسب توقعي بعد عشرين أو ثلاثين سنة أو خمسين سنة كحد أقصى ستندمج الثقافات البشرية، سيستقر الإنسان في ثقافته وأخلاقه عند الحدود الأساسية التي فطره الله عليها، ستختفي الزوائد الثقافية والفكرية التي راكمها التاريخ على كاهل الإنسان، لم تعد الشعوب مجرد فكرة في رأسي زرعها كاتب أو شيخ، أصبح الصيني والأفريقي والأميركي بشراً أشاهدهم وأعيش همومهم، أتعاطف مع حيواتهم كما أتعاطف مع جاري وقريبي، لن يوجد شعب يعيش وحده في هذا العالم، الإنسان الجديد الذي تصنعه الإنترنت عالمي النزعة ومتفهم وخارج القيود، سيكون السلام خياره.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف