جريدة الجرائد

من وراء تكريس الصورة الذهنية السلبية للشباب السعودي؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالعزيز الوذناني

«تعليمنا سيئ والسعودي غير منتج وغير ملتزم وغير جاهز لسوق العمل وإنتاجية الأجنبي أفضل منه والسعودة عائق لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030»، هذا ليس أحد خطابات حسن نصرالله ولا عبدالملك الحوثي أو قاسم سليماني بل خطاب مجموعة من الداخل امتهنت تقزيم وتحقير وتكسير مجاديف كل ما هو سعودي ووصف الشاب السعودي بأنه كسول وغبي ولا يعتمد عليه وأنه لا أمل في تحقيق الرؤية دون شرعنة التستر التجاري وفتح باب الهجرة والإقامة الدائمة وربما التجنيس لاستقطاب ما يطلقون عليهم العقول والسواعد المنتجة التي في رأيهم لم يعد لها وجود في أحفاد الرجال الذين سطروا واحدة من أعظم الملاحم في التاريخ الحديث ألا وهي توحيد وبناء هذه البلاد المباركة تحت قيادة وراية الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- الذي آمن بأجدادهم وبقدراتهم وأعطوه بيعتهم والتفوا حوله ووحدوا وبنوا جميعاً الدولة المعجزة التي خلال أقل من 90 عاماً تحولت بفضل عقول وسواعد أجدادهم ومن بعدهم آباؤهم من صحار قاحلة إلى دولة عصرية مزدهرة وواحدة من أكبر عشرين اقتصاداً في العالم بأسره.

هذا الخطاب الممنهج والخطير تقوده وتروج له مجموعة تتكون من لفيف من تجار التأشيرات وجماعات التستر التجاري وبعض تكتلات العمالة الأجنبية وقصيري البصر والبصيرة من التجار، وتبنى خطابهم، عن حسن نية، بعض وزاراتنا وهيئاتنا الحكومية وبعض منسوبيها من أصحاب الوظائف المرموقة وكبار مستشاريها وخاصة الوزارات المعنية بالسياسات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتعليمية. هذا الخطاب المرسوم بدقة يستهدف تحطيم أبنائنا من الداخل ورسم صورة ذهنية في ذاكرتهم عن قدرات وإمكانات وكفاءات السعوديين وإظهارهم بأنهم أقل من الآخرين كفاءة وإنتاجاً وخبرة وتعليماً وذكاءً وحنكة وإقناعهم بأنهم لا يصلحون إلا للوظائف الهامشية مثل الاستقبال والتعقيب والحراسات الأمنية وغيرها من الوظائف البسيطة الأخرى التي لا تحتاج إلى مستويات ذكاء عالية ولا إلى قدرات ومهارات نوعية ولا تضيف قيمة تذكر للاقتصاد الوطني بينما الوظائف التي تحتاج إلى المخططين والاستشاريين والمنفذين والعقول المفكرة والآمرة والناهية محجوزة لغيرهم من الدول المحيطة.

خطاب مخطط له بدقة

هذا الخطاب معروف ومخطط له بدقة وخبث ولكن الأهم من هذا كله من وراء هذا الخطاب الخطير وما هي أهدافه؟ أنا لا أقصد تجار التأشيرات ولا بعض قصيري البصر والبصيرة من رجال الأعمال ولا بعض مسؤولينا الذين يرددون بدون تفكير القصاصات التي تسلم لهم من مستشاريهم وغالبيتهم من الدول المحيطة المعروفة بولاءاتها التي لا تصب في مصلحتنا الوطنية ولا من يروج لهذا الخطاب عن حسن نية بل أقصد العقول المدبرة التي تخطط لتجريد السعودي من أهم ما يملك ألا وهو اعتزازه بذاته وفخره بهويته وبسعوديته وبتاريخه وبإنجازات أجداده وآبائه وبقدرته على بناء مستقبله ومستقبل أبنائه ومستقبل بلاده.

تحطيم السعودي

الهدف الأساسي من وراء هذا الخطاب الممنهج هو تحطيم السعودي من الداخل من خلال تكريس الصورة الذهنية السلبية عن الإنسان السعودي وترسيخها في أذهان شبابنا حتى يفقدوا الثقة في أنفسهم ويتخيل لهم بأنهم ضعفاء والآخرين أقوياء وأنهم أقل تعليماً وخبرة ومهارة وذكاءً وحنكة من غيرهم وبهذا تسهل السيطرة عليهم وترويضهم والتمكن من خيرات بلادهم. الدارسون لعلم النفس السلوكي يعلمون جيداً أنه ليس هناك أسوأ وأخطر على الإنسان من أن يشعر بأنه أقل من الآخرين وهنا يفقد الفرد الثقة بنفسه وقدرته على تحديد مصيره بنفسه ويصبح عالة على غيره. هذا هو الأسلوب الذي استخدمته الدول الاستعمارية على مر التاريخ مع الشعوب المستعمرة لإذلالها وكسر شوكتها وسلب كرامتها وإخضاعها ونهب خيراتها.

حتى بعض وزاراتنا وإداراتنا الحكومية ركبت موجة هذ الخطاب عن حسن نية وساهمت في تكريس هذه الصورة الذهنية السيئة عن السعودي بعدة طرق وروجت إلى فكرة أن السعودي غير جاهز لسوق العمل وأن تعليمه رديء وغير كاف وأنه أقل كفاءة ومقدرة من اليد العاملة الوافدة من خلال تسويق برامج التدريب مدفوعة التكاليف بعد التخرج مثل برنامج «تمهير» والبرامج المشابهة الأخرى. المتعارف عليه أن طبيب الأسنان والمهندس والصيدلي والمحاسب عندما يتخرج في الجامعة فهو جاهز ومزود بأحدث العلوم والطرق التي تجعله إضافة نوعية وقيمة لأي شركة ينضم إليها. أما في ما يخص الخبرة فتأتي على رأس العمل وليس قبله وهذا المعمول به في الكثير من دول العالم بما فيها الدول المتقدمة وليس اختراعاً جديداً. ربما يقول أحدهم يا دكتور تعليمنا يختلف عن تعليم الدول الأخرى ويخرج لنا طلبة «غير جاهزين لسوق العمل». مقولة إن تعليمنا مختلف ومخرجاته غير جاهزة لسوق العمل غير صحيحة للأسباب الثلاثة الآتية:

أولا:

هل تعليمنا وخاصة التعليم الجامعي يحتاج إلى تطوير وإصلاح؟ بكل تأكيد، فالمملكة حباها الله عزوجل بطاقات بشرية وموارد مالية تمكنها من أن تكون في مصاف الدول المتقدمة والارتقاء بنوعية التعليم مقروناً بالاستثمار في أبناء هذه الأرض هو خيارنا الإستراتيجي الذي لا خيار لنا غيره. سبق وكتبت الكثير عن إصلاح التعليم الجامعي وإحدى مقالاتي نُشرت على صفحة كاملة في صحيفة عكاظ في نهاية السنة الماضية تحت عنوان «إصلاح التعليم الجامعي» ولكن الحق يُقال تعليمنا الجامعي من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة. هذه ليست شهادتي فحسب بل شهادة المنظمات الدولية التي تقيس جودة الجامعات وتنشر تقاريرها السنوية التي يمكن الرجوع إليها للتأكد والتي يحتل فيها عدد من الجامعات السعودية المراكز الأولى على مستوى المنطقة والمملكة تحتل المركز الأول على مستوى الوطن العربي في جودة التعليم الجامعي.

ثانياً:

بفضل دعم ورعاية الدولة أعزها الله تيسر لي العيش والدراسة والعمل في أمريكا وكندا لما يقارب عشرين عاماً وفي حوالى نصف هذه المدة عملت كأستاذ جامعي دائم في إحدى كبريات الجامعات الكندية والحق يُقال إن نفس المناهج ونفس المواد ونفس الأسلوب ونفس الأنشطة التي كانت تُعطى لطلبتي في كندا هي نفسها التي ندرسها لأبنائنا وبناتنا في جامعة الفيصل وفي معظم الجامعات السعودية الكبيرة. طلبتي في كندا وخاصة طلبة قسم المحاسبة كانوا يوقعون عقود الاستقطاب مع كبريات الشركات الكندية وأحياناً الأمريكية قبل سنة من تخرجهم ونادراً ما تجد أحدهم يبحث عن عمل في فصل التخرج ولم نسمع قط عن تدريب الخريجين لإعدادهم لسوق العمل. فالشركات تتولى توظيفهم والاستثمار فيهم بما في ذلك تهيئتهم للممارسة في كل صناعة إذا لزم الأمر حيث استقدام العمالة الجنبية قليلة التكلفة ممنوع بقوة القانون طالما يوجد كندي مؤهل يبحث عن عمل.

ثالثاً:

ربما نلتمس العذر للشركات التي تستقدم اليد العاملة الأمريكية أو البريطانية أو الكندية أو الألمانية أو اليد العاملة من بقية الدول المتقدمة ولكن لا عذر للشركات التي تُعيب على تعليمنا وتنتقص من خريجي جامعاتنا وتغرق سوق عملنا بعمالة من بلدان جامعاتها أقل جودة من الجامعات السعودية. باختصار سوق عملنا يجب أن يعمل لمصلحة اقتصادنا الوطني ويجب أن لا يترك عرضة للإغراق بالعمالة الأجنبية قليلة التكلفة حتى أصبح السعودي ينافس نصف العالم الثالث على أرضه وغالباً على «الفتات»... هذه ليست منافسة شريفة، بل هي سباق للهاوية.

فكرة التدريب بعد التخرج قد تكون مقبولة للذين يرغبون في تغيير تخصصاتهم وإعادة تأهيلهم لفرص جديدة ولكن أن تكون لخريجي تخصصات مطلوبة ومتوفرة في سوق العمل فمن وجهة نطري ما هي إلا جهود في غير محلها وتسيء للسعوديين وتكرس الصورة الذهنية السيئة التي يراد تسويقها وتثبيتها في أذهان السعوديين عن جودة تعليمهم وتصويرهم بأنهم أقل تعليماً وكفاءة وإمكانات وقدرات من إخوانهم الوافدين. المساهمة في رسم الصورة الذهنية السيئة عن السعوديين لا تقتصر على برامج التدريب بل تتجاوزها إلى برامج عدة مثل برنامج نطاقات وبعض برامج هدف مثل برنامج دعم الأجور الذي يتحمل فيه الصندوق نصفا أو جزءا من مرتبات السعوديين خلال السنوات الأولى من توظيفهم. على رغم أن هذه البرامج تم إنشاؤها عن حسن نية ولكنها تساهم في تكريس الصورة السلبية عن السعودي وأنه أقل إنتاجية ومقدرة وإمكانية من الآخرين ولذلك تقوم الدولة بدعم الشركات التي تتحمل عبء توظيفه.

«نطاقات» الأكثر ضرراً

هناك برامج عدة ولكن ربما يكون نطاقات أكثرهذه البرامج شهرة. رغم أن الهدف الأساسي من هذا البرنامج هو زيادة نسبة السعودة في القطاع الخاص ولكن كغيره من البرامج التي لم تٌدرس ولم تُعط حقها من الحوار والنقاش المستفيض للوقوف على فوائدها وآثارها السلبية فقد تم استغلاله من قبل بعض شركات القطاع الخاص للحصول على المزيد من تأشيرات العمالة الوافدة وليس للاستثمار في أبنائنا تدريباً وتوظيفاً وإنما اعتبروا توظيف السعودي تكلفة يجب تحملها من أجل الوصول إلى ما يسمى بالنطاق «الأخضر» والفوز بالجائزة الكبرى ألا وهي الحصول على تأشيرات العمالة الأجنبية ولهذا لم تنظر الشركات إلى السعودي كقيمة مضافة وعنصر إنتاجي يمكن الاستثمار به وإنما كقسائم يجمع منها العدد المطلوب للحصول على «كنز» التأشيرات. لهذا كانت معظم وظائف عهد نطاقات -إلا ما رحم ربي- من الوظائف الهامشية مثل حراسة الأمن والاستقبال أو الوظائف الوهمية. من وجهة نظري برنامج نطاقات هو الأكثر ضرراً على الشباب السعودي حيث وضعهم في قالب معين من الوظائف الهامشية التي ليس لها مستقبل جيد ولا تضيف للاقتصاد الوطني قيمة تذكر ولكنها في المقابل تكريس الصورة الذهنية السيئة عن المواطن السعودي وعن قدراته ومهاراته وتعليمه وإنتاجيته وإمكانياته العقلية وأنه لا يصلح إلا لهذا النوع من الوظائف الهامشية ومثيلاتها التي لا تحتاج إلى إمكانيات وقدرات ومهارات ومعدلات ذكاء عالية ربما لا يمتلكة السعودي.

كذلك برنامج نطاقات قد يتم استخدامه من قبل بعض الشركات للتغرير بأبنائنا واستخدامهم كأرقام للدخول في مناقصات المشاريع العامة وعندما تنال هذه الشركات مرادها يتم تسريحهم أو يتركون مهمشين حتى يقدموا استقالاتهم بأنفسهم. يروي لي بعض المهندسين السعوديين الشباب خريجي الجامعات الأمريكية قصصا متشابهة. بعد تخرجهم وعودتهم يتم استقطابهم من قبل عدد من الشركات الكبيرة والبعض منها شركات عالمية تعمل في السوق السعودي وتقتات غالباً على مليارات المشاريع العامة عن طريق الوزارات والهيئات الحكومة مباشرة أو عن طريق الشركات العامة مثل شركة أرامكو. أحد المهندسين الذي استقطبته شركة عالمية كبيرة، يقول لي: «سنة كاملة لم أستفد أي شيء». يستطرد قائلاً «كنا مجموعة من المهندسين السعوديين وفي الأشهر الثلاثة الأولى من انضمامنا للشركة أعطونا تدريبا نظريا فقط وهو عبارة عن عرض (شرائح وقراءة) وبعدما كملنا التدريب النظري توقعنا بأنهم سيعطوننا عملاً ولكن هذا لم يحدث. ظللنا بدون عمل لفترة امتدت لسنة كاملة. في كل مرة نكلم المشرف ونطلب منه عملاً يُصرفنا ويقول لنا ما فيه مشاريع تشتغلون عليها وعندما تتوافر المشاريع سنعطيكم عملا. بنهاية السنة الأولى اكتشفت أنا وغيري أنها لعبة كبرى وأن الشركة لم توظفنا رغبة في الاستفادة منا وإنما وظفتنا كسعودة مجبورة عليها من برنامج نطاقات وهذا يحدث في أغلب شركات القطاع الخاص». هذه ليست قصة عابرة بل سمعتها من مهندسين سعوديين آخرين من خريجي أمريكا عملوا لحوالى السنة مع إحدى الشركات الكبيرة المتعاقدة مع أرامكو مع العلم هذه القصص ليست مقصورة على المهندسين بل تتكرر تقريباً في جميع قطاعات الاقتصاد الوطني.

البطالة تفترس أحلام شبابنا

خلاصة القول، البطالة التي تفترس أحلام شبابنا وتحرم بلادنا من مساهمتهم ومشاركتهم في بناء مستقبلهم ومستقبل وطنهم ليست بسبب عدم قدرة الاقتصاد السعودي على خلق الوظائف الجيدة وليست بسبب سوء تعليم أبنائنا أو انخفاص إنتاجيتهم أو قلة التزامهم أوعدم تحملهم للمسؤولية مثلما يُروج له تجار التأشيرات وقصيرو البصر والبصيرة من رجال الأعمال وجماعات التستر التجاري وبعض التكتلات العمالة الأجنبية ولكن بسبب الإغراق المحموم للسوق السعودي بالعمالة الأجنبية مُنخفضة التكلفة. هذا دفع القطاع الخاص لتفضيل اليد العمالة الأجنبية لسهولة التحكم فيها (نظام الكفالة) وقلة تكلفتها في ظل غياب إستراتيجية وطنية شاملة وواضحة يشارك فيها الجميع لتمكين أبنائنا من مفاصل الاقتصاد الوطني بقوة القانون وحمايتهم من المنافسة غير العادلة ودفعهم لمراكز القرار.

الدول المتقدمة أدركت أهمية الاستثمار في الإنسان أو ما يسمى برأس المال البشري وعمود سنامه الطبقة الوسطى التي تمثل الركيزة الأساسية لاقتصادياتها الوطنية ولذلك تبنت هذه الدول العديد من السياسات الاقتصادية لتنمية الطبقة الوسطى وحمايتها من التآكل ومن أهم هذه السياسات حماية سوق العمل من المنافسة غير العادلة وخاصة من اليد العاملة الأجنبية قليلة التكلفة. فمثلاً أمريكا التي يمثل اقتصادها حوالى 25% من الاقتصاد العالمي وعدد سكانها حوالى 330 مليون نسمة، تحدد تأشيرات العمل الأجنبية المعروفة بـH-1B

visa بـ65 ألف تأشيرة وتصدر مرة واحدة فقط في السنة ومن قبل الكونغرس الأمريكي.

أبناؤنا هم الأكثر والأفضل تعليماً في المنطقة ومتعطشون للمشاركة في بناء مستقبلهم ومستقبل بلدهم ومن واجبهم علينا كمجتمع وكدولة أن نثق فيهم ونشجعهم ونعطيهم الفرصة من خلال سن القوانين الفاعلة لحماية سوق العمل من الإغراق وإعطائهم فرصة للمنافسة العادلة وكذلك يجب أن تكون أي وظيفة في الاقتصاد الوطني من حق المواطن ابتداءً ويجب أن لا ينافسه عليها إلا مواطن سعودي مثله طالما أن المواطن مؤهل للقيام بهذه الوظيفة وإذا كان هناك نقص فيستكمل عن طريق الاستقدام وفق ضوابط محددة ومتاحة للجميع يمكن مراقبتها والتأكد منها. فالعمل ليس وظيفة وراتبا فحسب بل استثمار في الإنسان وتكوين للخبرة التراكمية ورفع للمستوى المعيشي في المجتمع وتنشئة أسرة متعلمة ومنتجة وهذا سينعكس في المدى الطويل على التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للمجتمع.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف