من تحدّيات الإنسان العربي المعاصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فايز الشهري
يواجه الإنسان في عصرنا الحاضر تحدياتٍ (فرصاً) لم تكن بهذا الحضور في حياة الأجيال السابقة. والكلام هنا ليس عن التحدّيات شبه الثابتة أمام كل جيل في كل عصر مثل البحث عن الأمان والتدافع على الرزق وتأمين ضرورات الحياة أو إثبات الذّات، وإرضاء الطموحات وغيرها. المعنى هنا هو ما أحدثته ثورة الاتصال والتقنيات الحديثة من متغيّرات في الإنسان والبيئة من حوله ما جعل إنسان العصر في حالة دهشة دائمة. بل وفي أحيان تنتابه نوبات من العجز عن تجنّب الآثار أو قطف الثمار لأسباب ثقافيّة أو نقص في الإمكانات والقدرات.
على سبيل المثال نرى ثورة المعلومات من جهة وكأنها أسقطت قسماً كبيرًا من دور النخبة وبهذا تركت فراغاً معرفياً هائلاً بحيث أصبح من يستقبل المعلومات ذاهلاً مدهوشاً أو مختطفاً مذهولاً. وكان التحدي الأكبر واضحاً في المجتمع العربي (الشاب) حين أسهم الضخّ الإلكتروني الغاضب مع بدايات الإنترنت في إنتاج جيل من الساخطين الذين لم يأبه لهم أحد فاختطفت بعضهم تيارات العنف والتطرف إلى مهاوي الردى. ثم لما ظهرت الخدمات الإلكترونيّة التشاركيّة (ومنها شبكات التواصل) وما لحقها من تطبيقات تم توظيفها بدهاء لتشكّل داعماً رئيساً في تركيز سخط الشباب العربي نحو الذات والمقدرات فكان الدمار وطنياً في أكثر من بلد عربي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
أمّا الثورة الثقافيّة التي عصفت بالعقول والقلوب فقد اتضحت بعض ملامحها في وضوح مؤثرات تقلّب المفاهيم وانقلاب (الفرد) على أقوى وأعزّ مسلماته فكانت النتيجة في ثارات المذاهب على مستقر الدين وانفلات التيّارات الفكريّة على ثوابت المواطنة وانبعاث روح القبيلة على حساب الوطن.
وبطبيعة الحال يمكننا أيضاً أن نقول بشيء من الحذر أن موجات التمرد والإلحاد وبعض مظاهر الانسلاخ الثقافي ما هي إلا علامة أخرى من رواسب السيول الثقافيّة التي تصبها الشاشات دون وسيط رشيد في عقول غضة أتعبها التناقض وحيّرتها الأسئلة.
وربما يعود قسم من أسباب عمق التأثيرات في المجتمعات العربيّة إلى نمطيّة التربية وسطوة المجتمع الذي لم تعط للفرد العربي استقلالاً صحياً كيما يحّلل ويركب. لقد بقي (الفرد) العربي -عبر القرون- تابعاً لسيطرة النخبة الذين قرّروا (للإنسان العربي) ما «المعلقات العشر» وأفضل بيت في الغزل ومن هم أشجع العرب وأحكم العرب. وهكذا توقف التاريخ بقرار النخبة فلم يعرف الإنسان العربي طوال تاريخه سوى أربعة من الدهاة العرب ونفر من المجتهدين توقف الاجتهاد الفقهي على ما كتبوه وثلّة من الأذكياء لا يزيدون عن أصابع اليد الواحدة.
ولنا أن نتأمل صورة المشهد اليوم في ظلّ حقائق منها: أن شبكة الإنترنت المفهرسة تضم حوالي 5 مليارات صفحة على الأقل، ويكتب المغردون على تويتر قرابة 400 مليون تغريدة يومياً، ويشاهد مستخدمو الإنترنت ما يزيد على 3 مليارات مقطع فيديو يومياً على يوتيوب وحدها.
وعلى صوت الضجيج والانشغال العربي بإنتاج الفتن واستعراض مهارات الصراع بكل أشكاله تأتي الخشية القريبة البعيدة من أن تظهر أجيال شبه عربيّة تحاور بلا هويّة وتدير شؤونها بلا مرجعيّة وتتّجه إلى المستقبل ضحيّة إثر ضحيّة.
مسارات
قال ومضى:
قد لا أملك الحقيقة.. ولكنني امتلك الصبر للبحث عن بواباتها