جريدة الجرائد

طعم الأعياد المغربية بمواقع التواصل الاجتماعي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أحمد المريني 

تظل الأعياد الدينية بالمغرب وفي كل الدول الإسلامية، مناسبة للتعبير عن الفرح والسرور وصلة الأرحام بين الأسر والجيران والأصدقاء، كتعبير عن تماسك المجتمع. نظرا للحاجة إلى الاتصال والتواصل مع الآخرين، لتفادي المعاناة القاسية كالعزلة والتقوقع.. و تحقيق المناعة النفسية والعقلية لأفراد المجتمع، ومن ثم تعزيز وحدة المجتمع وتقوية الروابط بين أفراده.

ومع تعقد مظاهر الحياة ظهرت حواجز نفسية، ومنها الكراهيات والانطوائية كغرائز متنامية يُعاد إنتاجها بين الفينة والأخرى بين أفراد المجتمع. أملاها التسابق نحو المصالح الشخصية الضيقة، الشيء الذي أفقد تلك العلاقات البعد الاجتماعي والروابط الأسرية القوية، مما انعكس سلبا في لم شمل وتجميع ما فرقته أيام السنة ، وانشغالات الدنيا ومتاعبها.

لكن مع تتجدد الأعياد في المغرب، يضيق الخناق على العزلة ويتسع مجال التواصل في سبيل تجديد العلاقات، ونبذ الخلافات بين أفراد الأسرة وباقي مكونات المجتمع. غير أن التطور اللامتناهي لوسائل الاتصال أحدث تحولا عميقا في مجال بنية التواصل الاجتماعي بين مختلف الأفراد والمكونات المجتمعية. فتغيرت المذاقات الطبيعية للأعياد ، وغادرت الأسر المغربية العادات القديمة الموروثة في شأن صلة الأرحام والتآلف بين أفراد المجتمع، وعوض ذلك بالرسائل النصية القصيرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فحلت وسائل الاتصال محل الزيارات المباشرة بين مختلف مكونات المجتمع المغربي.

هذه الظاهرة الجديدة التي بدأت تترسخ في العادات المغربية مناسبة بعد أخرى ، أحدثت ردود فعل مختلفة تراوحت بين القبول والرفض. ففي سياق القبول بالتحولات الطارئة في مجال التواصل الاجتماعي الحديث، يذهب فريق من المواطنين إلى أن تحقيق مبدأ التواصل أيام العيد يتحقق ولو بالمكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. فهذه التهاني لها أثرها الاجتماعي القوي في الترابط والتواصل وتحقيق قدر من المعاني للتواصل، ولا يغيب الإحساس بلذة العيد وفقد رونقه الإنساني والاجتماعي. وهذا لا ينقص في رأي هذا الفريق أثره في تعزيز الترابط بين الأسر، ومواصلة نقل القيم التواصلية عبر الأجيال الجديدة.

ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى ضرورة مواكبة التكنلولوجيا بكل مستجداتها وتغيراتها ، فهي تسهل مبدأ التواصل بين الأفراد ، والأعياد مناسبات لتبادل التهاني بين المعارف والأقرباء والأصدقاء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي سناب شات، وفيس بوك، وإنستجرام والواتس أب والسكايب ... وقد وفرت تلك الوسائل المال والوقت. وخففت معاناة المغتربين عن بلدانهم من خلال الخدمة المجانية التي تقدمها تلك الوسائل، أمام ظاهرة ضيق الوقت التي أصبحت عامة لدى الجميع. مما ينتج عنها مشقة التنقل ولو داخل الوطن . وهذا الأمر بمثابة حجة لدى أصحاب هذا الفريق في اعتماد هذه الوسيلة في التواصل خلال الأعياد، خصوصا مع المغتربين الذين يعدونه فرصة للتواصل مع أقاربهم وأصدقائهم بالصوت والصورة بتكلفة رخيصة ، تزيد من ترسيخ مظاهر الحب والتقدير.

في عصر السرعة وضغوط الحياة اليومية لم يعد للأواصر الاجتماعية والروابط العائلية أي اعتبار ، فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المهيمنة على علاقات أفراد المجتمع، ومركز محوري في الاتصال بين الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء. فتحولت إلى بديل عن الزيارات العائلية. لهذا يشدد فريق ثاني أن التهاني والزيارات المباشرة بالمناسبات والأعياد تعد مطلبا اجتماعيا في المغرب. لأنها تعمّق الشعور الوجداني والاجتماعي بين أفراد المجتمع بدون استثناء. ويؤكد الفريق أن اكتمال التهاني يأتي بالمشاهدة.

ومن ثم فهو ينتقد تغيير الزيارات المباشرة في الأعياد بالرسائل الإلكترونية، والاكتفاء بتقديم التهاني والتبريكات بالعيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكونه أضرّ بالعلاقات الاجتماعية والروابط العائليّة ، وأفقدها أثر العلاقات المباشرة وقيمتها وبعدها الاجتماعي. وأثر بالسلب على شكل العلاقات الاجتماعية بين الأسر التي كانت تعتمد على تلك المناسبات لتقديم التهاني والتواصل مع الأهل والأقارب لتجديد العلاقة بين مختلف الأطراف ونبذ مظاهر الفرقة بينهم.

ويصر هذا الفريق أن أشكال التواصل الحديثة ، لا تغني إطلاقا عن الزيارات العائلية والعلاقة المباشرة فيعتبرها نوعا من أنواع المجاملة صيغت في قوالب جامدة بدون روح ، تروم إسقاط الواجب فقط، وإنهاء الأجواء الحميمة بين العائلات والأصدقاء التي بدأت في الاندثار.

فريق ثالث يذهب إلى الجمع بين وسائل الاتصال المتعددة والزيارات المباشرة خلال فترة الأعياد، فكلاهما يقومان بدور هام . يتمسك هذا الفريق بداية بالطابع الجمالي للعيد ويدرك أهمية اللقاء ، فالزيارات المباشرة واللقاءات الحيوية تفشي روح المحبة وتدعم القيم والتقاليد الأصيلة. وهي مناسبة مهمة لتقارب أفراد المجتمع وتدعم الروابط الأسرية وتجدد العلاقات الاجتماعية، ويؤكد في هذا السياق أن وسائل الاتصال الحديثة لا يمكن أن تكون بديلا للزيارة المباشرة، لكنها قد تكون حلا للمواطنين المغتربين في دول بعيدة أو مدن يتعذر عليهم الحضور إليها في تلك المناسبات، فيتوجب عليهم التواصل عبر الهاتف أو الرسالة القصيرة أو المصورة .. فالتواصل بهذه الطريقة أفضل من عدمه، فهو يظل وسيلة للتواصل الوحيدة للمغتربين.

وختاما أثرت تقنيات التواصل الحديثة في حجم العلاقات بين أفراد المجتمع المغربي ، وأحدثت العديد من التغيرات والمفاهيم في مظاهر وأشكال التواصل في مناسبات الأعياد الدينية. وتحولت التهاني عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى بضع كلمات وصور تهاني صامتة غير مقنعة أضعفت العلاقات الاجتماعية، وزادت الفجوة بين أفراد الأسرة الواحدة والأهل. لكن البعض الآخر يعتبرها ضرورة ملحة أملتها التحولات والتطورات التي تعرفها البشرية، فهي تقرب المسافات وتوفر مشقة التنقل. لكن طرف ثالثا يجمع بينهما ويرى أن الاثنين يقومان بدور التواصل ويزرعان الفرحة والابتسامة المطلوبة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف