راصدون لا متربصون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مهره سعيد المهيري
جمعتني قاعة اجتماع مع مجموعة من النخبة الإدارية والوظيفية. وأثناء هذا الاجتماع، تطرق أحد الزملاء المشهود له بالتفاني والإخلاص والأخلاق العالية إلى نقطة اعتبرتها جوهرية ولَم أستطع تجاوزها من دون التعليق عليها. تدور هذه النقطة حول أهمية التعايش مع الظروف المحيطة، وأن لا نستغرق الكثير من الوقت في تقبل الأمور الخارجة عن الإرادة، وأن نسارع إلى وضع حلول بديلة تسهل علينا عملية التعايش.
إنها نقطة جوهرية يتأسس حولها الكثير من المفردات. إن علم التعايش وقبول الأمور كافة وتوقعها، يساعد الفرد على التأهب والاستعداد لتقبل ما لا يمكن تقبله، سواء على النطاق الشخصي أو المهني أو النطاق الأوسع متمثلاً في الظروف السياسية والأوضاع التي يمر بها الوطن العربي عامة.
ومن خلال هذا الموضوع، أحب أن أتطرق إلى بعض الأمثلة حول العالم، ومدى أهمية التعايش وتجاوز المرحلة. فمن المهم أن يتقبل الإنسان التغيير ويتوقعه، بل وأن ينتظره. فما كان بالأمس قد نكون بغير حاجة إليه اليوم. ولا بد من التعلم من الأخطاء، وأن نعلم علم اليقين بأن الأخطاء هي الطريق السليم لتصحيح المسار، وعلى مختلف الصعد.
العالم يعيش على إيقاع التغيير في كل مناحي الحياة. بالأمس، احتفلت بريطانيا بمرور 70 عاماً على نظام التأمين الصحي ومنظومة الضمان الاجتماعي. الروح في الممارستين هي خدمة المجتمع. لكن ما هو موجود حالياً من تفاصيل للرعاية الصحية والاجتماعية لا ينتمي للإجراءات التي رافقت الانطلاقة قبل سبعة عقود. النظام الصحي والمنظومة الاجتماعية تغيرا وتأقلما مع تحولات المجتمع واحتياجاته.
ولعلنا نقول الشيء نفسه عن البنى التحتية في الدول الناهضة، ومنها دولة الإمارات. قبل عقود، كان التركيز على تشييد البنى التحتية، يفرض اهتماماً كبيراً وعناية بوزارات الإعمار ودوائر البناء والكهرباء والنقل، كما كان يرصد لها الكثير من الميزانيات. مع تقدم البنى التحتية واستقرارها، تكون الحاجة إلى إدارات الصيانة والتحديث أكثر من إدارات البناء والتشييد. لا يمكن أن تبقى إدارات وأولويات العمل كما هي، بل متغيرة ومتأقلمة. هذا يشمل نظم الإدارة وشؤون الأفراد وطبيعة أعمالهم وتدريبهم على حد سواء.
جزء من التعايش مع التغيرات هو قبول الأخطاء واعتبارها جزءاً من العمل. هناك من البشر من هو متربص بالآخرين، إنْ على مستوى الحكومات أو على مستوى المؤسسات أو حتى على مستوى الأفراد. ينبغي أن لا نخاف من الخطأ، فهو دليل على العمل. ورصد الخطأ هو الأداة التي من خلالها يساعد الجميع بعضه البعض على تحقيق الأهداف المرجوة، والرابح من ذلك هو الوطن.
المتربص هو المنبوذ في مجتمعه، لهذا لا نريد متربصين بيننا بل راصدين. ويجب على الجميع الإخلاص في أداء واجباته، وأن يعين ويعاون زملاءه ومدراءه، وأن يتجاوز عن أخطائهم ويرشدهم ويتعاون معهم، وأن يصحح مسارهم إنْ شغلتهم المشاغل والالتزامات. فتفوقهم ونجاحهم هو تفوق للوطن ومكتسباته.
أبناء الوطن يستحقون منا الكثير، وقيادتنا تقف على احتياجات فئات المجتمع كافة، وتذلل الصعوبات، وتسعى لفرض أقل ما يمكن من الالتزامات على أبناء المجتمع، رغم الظروف الإقليمية والعالمية المحيطة، إلا أننا لا بد أن نتعلم كيفية التعايش، والمساهمة في تقبل كل إطراء أو نقد، وكل أمر لم يكن في الماضي موجوداً. كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.