ترمب وتعامله مع التجارة والضرائب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سايمون جونسون
ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أخيرا، خطابا عنيفا ضد الشركة الأمريكية المعروفة، هارلي دافيدسون المتخصصة في صناعة الدراجات النارية. والسبب وراء هذا الخطاب الذي هدد فيه ترمب بفرض ضرائب "غير مسبوقة" على الشركة، يكمن في كون "هارلي" تنوي الاستثمار في صناعات أخرى خارج أمريكا. وكانت الشركة صريحة ومقنعة في تفكيرها؛
إذ هدد ترمب بالرفع من الضرائب على واردات أمريكا من أوروبا، وقد دخلت بعض تلك التهديدات حيز التنفيذ. وما كان لأوروبا إلا أن ترد بفرض ضرائب مرتفعة على وارداتها من أمريكا، بما في ذلك الدراجات النارية. وتود شركة هارلي دافيدسون تجنب الضرائب الإضافية التي تفرضها أوروبا، ويمكنها فعل ذلك عن طريق نقل بعض عملياتها الإنتاجية إلى الأماكن غير المعنية بهذه الضرائب المرتفعة. إذن، فغضب ترمب ليس في محله وليس عادلا. فعلى الرغم من كونه عزز اليد العاملة في الشركة، إلا أن كيفية تعامله مع التجارة قد تكون لها انعكاسات سلبية لثلاثة أسباب. أولا، هكذا تشن الشركات الحروب ضد بعضها.
فقد قرر ترمب رفع سقف الحماية لمصلحة عديد من الصناعات في الولايات المتحدة، من بينها الفولاذ والألمنيوم، ما أدى إلى رفع تكلفة الشركات التي تستعمل المعادن في منتجاتها. فعلى سبيل المثال، تأثرت شركة هارلي دافيدسون بسبب ارتفاع تكلفتها الإنتاجية إلى ما يقارب 20 مليون دولار "أو ما يزيد على ألفي دولار للدراجة الواحدة". وقد تكلف الضرائب الانتقامية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي الشركة مبلغا آخر بقيمة 45 مليون دولار. ويظن ترمب أنه بتشجيعه التجارة سيساعد الأمريكيين جميعا، لكن عندما تقلص سياسات حكومة ما قيمة أرباح شركة معينة ــ أو تهدد استمراريتها ــ فمن المنطقي أن يتصرف مسيرو هذه الشركات بالطريقة التي يرونها مناسبة. فالتسعيرات المرتفعة تكسر السوق وتحد من التجارة، والسبب بالتحديد هو أن الشركات تريد الحد من الضرائب التي تؤديها، وبناء على ذلك توزع إنتاجها عبر العالم. وتصرفت "هارلي دافيدسون"كأي شركة مسؤولة أمام مستثمريها. ثانيا، لقد كشف ترمب عن نواياه. والآن، ينبغي لزعماء العالم أن يدركوا أن معاملة ترمب بلطف ومجاملته، قد تضمن لهم أخذ صورة في البيت الأبيض، لكن ذلك لن يغير من سياسته. فإدارة ترمب تتبنى سياسة تخدم مصالحها، بمعنى آخر، وفي هذا السياق، من يستطيع فعل ماذا دون محاسبة.
إن الدول التي يحاول ترمب تهديدها ــ خاصة الصين والاتحاد الأوروبي ــ لديها قدرة إنفاقية قوية، ويديرها أشخاص متمرسون وأقوياء. إنهم يرون الآن بوضوح الطريقة التي ستثير انتباه ترمب، وهي فرض ضرائبهم الانتقامية على الشركات التي أثنى عليها هذا الأخير. ومن السهل طبعا التعرف على تلك الشركات، فقط ألقِ نظرة على تغريدات ترمب على "تويتر" والأشخاص الذين قابلهم في البيت الأبيض، أو ابحث عن الشركات التابعة للأشخاص المقربين من الرئيس، مثل كارل إيكان أو الأمين العام للتجارة ويلبر روس. قد يكون هذا ردا نابعا من فقدان الثقة، وكان سيعتبر أمرا غير مقبول لو عدنا بضع سنوات إلى الوراء، لكن ترمب يحتقر كل المبادئ المتعلقة بالتجارة الدولية، وكيف يبني أكبر زعماء العالم العلاقات فيما بينهم. حتى تصرفاته تجاه زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع كانت غريبة ومثيرة للغضب. إن كل تغريدة غاضبة على "تويتر" تمكن الاستراتيجيين في العواصم الأجنبية من التركيز بدقة أكبر على السبل التي ستثير لاحقا انتباه الرئيس الأمريكي. ولا تحتاج إلى الانتظار طويلا لتجعل ترمب ينفعل. فحسابه على "تويتر" ينشر ردوده السريعة.
وكلما غضب دونالد ترمب شجع الدول المعنية على الانتقام. ثالثا، إن أكبر نقطة ضعف لدى ترمب في حروبه التجارية التي بدأت لتوها هي الزراعة الأمريكية. فالقطاع ليس فقط المصدر الأكبر (133 مليار دولار من صادرات المواد الغذائية والعلف والمشروبات عام 2017)، بل إن عديدا من المناطق في الريف تدعم ترمب والجمهوريين بصفة عامة. فخلال المفاوضات بشأن الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي كانت ستحد من العراقيل المتعلقة بالضرائب وغيرها، من العوائق التي تواجهها الصادرات الزراعية للولايات المتحدة إلى الدول المشاركة. وكان أعضاء الكونجرس الذين يمثلون هذه المناطق القروية أقوى الداعمين للتجارة الحرة، "وأيضا خلال اجتماع عقد من طرف اللجنة التابعة لمجلس السبل والوسائل الذي أدليت فيه بشهادتي". وتستهدف الاستراتيجية الذكية للدول المستهدفة من قبل ترمب صادرات الولايات المتحدة من المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية.
وقد لا يرغب الشركاء الرئيسون لأمريكا تنفيذ خططهم دفعة واحدة، فأحيانا تثير التهديدات القلق، وبالتالي تصبح فعالة مثل المساومة، لكن نظرا لحب ترمب سياسة التهديد والمواجهة، من المنطقي توقع مزيد من التصعيد، فالصين، مثلا، فرضت ضريبة على فول الصويا الأمريكي ولحم الخنزير. ولعل الخبر السار هو أن لا أحد يريد الخوض في حرب تجارية إلا ترمب. إذن، فقد تتقلص هذه الضرائب بشكل سريع وسهل، ولكن الخبر هو أن ترمب يبدو مقتنعا تماما أن الحرب التجارية تصب في مصالح الولايات المتحدة، "ويفترض أن تخدمه سياسيا"، وعلى ما يبدو فترمب يرفض الاستماع للتحليل المنطقي أو حتى الشركات الحكيمة مثل هارلي دافيدسون، ويبدو أن اندلاع حرب تجارية واسعة النطاق، مع ما تحمله من تأثيرات سلبية كبيرة في الصناعة الأمريكية والزراعة أكثر احتمالا.