جريدة الجرائد

عواقب إيجابية للتلاعب بنتائج الانتخابات العراقية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 عدنان حسين 

ما كان العراقيون، أو أغلبيتهم في الأقل، ينتظرون إعلاناً من المفوضية الجديدة (المؤقتة) للانتخابات في العراق، ليدركوا أو يتأكدوا أن التزوير في نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو (أيار) الماضي حقيقة واقعة. هذه الحقيقة يعرفها الكثير من العراقيين قبل أن تتوصل إليها المفوضية الجديدة التي شكّلها هذه المرّة مجلس القضاء الأعلى من تسعة قضاة تنفيذاً لقرار من البرلمان المنتهية ولايته، الذي شكّل المفوضية الموقوف عملها الآن، ورفضَ كلّ المطالب بأن يدخل القضاة في قوامها لضمان نزاهة عملها... العراقيون يعرفون الحقيقة الواقعة هذه لأنّه ما من عملية انتخابية جرت في السابق لم تُثَرْ بشأنها اعتراضات واحتجاجات واتّهامات بالتلاعب في إرادة الناخبين، إنْ بشراء الأصوات، أو بتقديم الوعود بالتعيين في وظائف الدولة، أو بتحقيق مصالح اقتصادية واجتماعية لرجال أعمال وشيوخ عشائر، أو بالضغط السياسي والاجتماعي، وبوسائل العنف أيضاً، فضلاً عن التزوير المتعمّد لنتائج الانتخابات لصالح جهات نافذة في السلطة في سبيل أن تحتفظ بنفوذها أو أن تزيد منه، بيد أن الطبقة السياسية المتنفذة كانت دائماً تجد الطريق سالكة إلى تسوية فيما بينها يجري بموجبها تبادل المصالح والمنافع، فتطوى ملفات التلاعب في العملية الانتخابية والتزوير في نتائجها.


الحركة الداعية إلى المقاطعة التي انطلقت عشية التحضير للانتخابات الأخيرة، كان من أسبابها هذه الحقيقة الواقعة المرافقة لكل عملية انتخابية: التلاعب والتزوير. الداعون إلى المقاطعة كانوا يعتقدون ألّا فائدة من الذهاب إلى مراكز الاقتراع فالنتائج معروفة ومحسومة سلفاً.
التلاعب في العملية الانتخابية وتزوير نتائجها كانا دائماً وأبداً من تدبير القوى المتنفّذة، وهي في معظمها من جماعات الإسلام السياسي، شيعية وسنّية، أمّا المُنفّذون فمسؤولو مفوضية الانتخابات وموظفوها الذين تختارهم القوى المتنفّذة ذاتها بوصفها المتحكّم بعمل مجلس النواب والحكومة ومجمل العملية السياسية، فالمفوضية الموصوفة في الدستور بأنها مستقلّة لم تتمتع يوماً بالاستقلال، شأن سائر الهيئات «المستقلة» التي تقاسمت مناصبها العليا والدنيا الأحزاب المتنفّذة وفق نظام المحاصصة الطائفية والقومية الذي اعتمد في توزيع مناصب الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، بخلاف ما حكم به الدستور.
إعادة العدّ والفرز التي تقوم بها الآن المفوضية الجديدة (المؤقتة) في المراكز والمحطات التي طُعِن في نتائجها في عدد من المحافظات العراقية، من المنتظر أن تكشف عن المزيد من حالات التلاعب في نتائج الانتخابات. هذا له فائدة مباشرة تتمثّل في إعادة الحق إلى نصابه على صعيد مَنْ فاز ومَنْ فشل في انتخابات مايو. من المرجّح أن تنتهي العملية إلى إظهار أن هناك مَنْ فاز بالفعل في الانتخابات لكنّ أصوات ناخبيه أُستولي عليها ظلماً وعدواناً، في مقابل أن هناك مَنْ خسر وجرى «تفويزه» بالتلاعب. «الخاسر» بالتلاعب سيستعيد أصواته و«الفائز» ستُسحَب منه الأصوات الممنوحة له من دون وجه حق.


ثمة فوائد أخرى على المدى المتوسط والبعيد لإعادة العدّ والفرز والكشف عن عملية التلاعب، أولها أن مجلس النواب الجديد الذي سيلتئم بعد اكتمال عملية العدّ والفرز الحالية، وإعلان النتائج النهائية الصحيحة، سيجد أن من اللازم عليه أن يعيد النظر في مفوضية الانتخابات، وسيتحتّم عليه إعادة تشكيلها على وفق ما نصّ عليه الدستور بوصفها هيئة مستقلة يتوجب هيكلتها بعيداً عن الترتيبات والتفاهمات التي كانت تجري بين الأحزاب المتنفّذة. ومن المفترض أن ينسحب هذا على سائر الهيئات «المستقلة» المُجرّدة من استقلاليتها وحيادها ونزاهتها.
الأهم من هذا، الاعتراف الرسمي بأن التلاعب في العملية الانتخابية والتزوير في نتائجها هما حقيقة واقعة، سيطعن في صدقية العملية الانتخابية برمّتها ما يستدعي إعادة النظر في قانون الانتخابات وفي النظام الانتخابي المُعتمد (سانت ليغو) غير المنصف، وفي قانون الأحزاب، وهذه من المطالب الرئيسية للحراك الاحتجاجي الذي انطلق منذ ثلاث سنوات في سبيل الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، وهي مطالب فشلت في تلبيتها الحكومة الحالية والبرلمان المنتهية ولايته.


الطعن في صدقية العملية الانتخابية لا بد أن ينسحب على صدقية العملية السياسية المعتمدة منذ 2003 حتى الآن، والقائمة على أساس المحاصصة الطائفية والقومية. ولهذا أهمية كبيرة للقوى الوطنية الديمقراطية العراقية المطالبة بإقامة حكم مدني علماني ديمقراطي يعتمد الهوية الوطنية ودولة المواطنة، بديلاً عن الحكم الحالي الذي أقامه تحالف الأحزاب الإسلامية والقومية، وهو حكم لم يفشل فقط في تقديم بديل مناسب عن نظام صدام حسين، إنما زاد عليه بإثارة النزاعات المسلحة الطائفية والقومية، وإشاعة ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي قوّضت أركاناً أساسية للدولة والمجتمع، ودمّرت الاقتصاد الوطني، ولم تسمح بتنمية اقتصادية - اجتماعية احتاجها العراق بإلحاح لمداواة آثار الديكتاتورية والحروب المدمّرة لنظام صدام.
بعد الاعتراف الرسمي المُنتظر بالتلاعب في العملية الانتخابية، لن يكون في إمكان البرلمان العراقي الجديد والحكومة التي ستنبثق عنه، العودة إلى نظام المحاصصة الذي كان الأساس في فساد الحياة السياسية والإدارية... عودة كهذه ستعني تفجير حركة احتجاجية أكبر وأقوى من حركة 2015 التي كان من نتائجها سقوط عدد لا يُستهان به من الشخصيات التي أفرزها نظام المحاصصة في الانتخابات الأخيرة، وتراجع نفوذ عدد آخر منها، وهؤلاء لن يجرأوا هذه المرة على تحدّي الإرادة الشعبية، كما كان يحصل فيما مضى، خوفاً من عواقب وخيمة يُمكن أن تلحق بهم وبنفوذهم في العملية السياسية مستقبلاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف