جريدة الجرائد

«التطرّف» في خيارات السوريّين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حازم صاغية 

أهل محافظة درعا، خصوصاً الذين فرّوا من الموت باتّجاه الحدود السوريّة – الإسرائيليّة، يلخّصون على نحو بليغ مأساة السوريّين.


قبل أن يفرّوا بأجسامهم من القتل، فرّوا بنفوسهم من نظام قاتل. لقد كانوا أوّل من ثار عليه إثر محنة أطفالهم التي باتت شهيرة. وهم لو عبروا الحدود نحو إسرائيل، وهو ما لا تتيحه إسرائيل أصلاً، لعُدّوا عملاء للعدوّ الصهيونيّ. أمّا عودتهم إلى بيوتهم وقراهم، فمعناها الخضوع مجدّداً للنظام القاتل الذي ثاروا عليه، بعدما أضاف إلى نوازعه الجــريميّة جرعة ثأر عالية وجرعة أخرى من دعم دوليّ: النظام هذا هو إيّاه ما يتّفق اليوم فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وبنيامين نتانياهو على أنّه «الأصلح» لهم ولسوريّة!

في ذلك شيء من جحيم دانتي، لكنّه جحيم لا يليه مَطْهر ولا فردوس. سطح الأرض مغلق يستحيل الصعود إليه. الأفق مغلق يستحيل اختراقه.

يلخّص هذا الوضعُ الخياراتِ المتاحة للسوريّ الذي لا يريد أكثر من أن يعيش كمواطن حرّ آمن ومحترم، له حقوقه وعليه واجباته. فهو الآن إمّا أن يعاود الخضوع لحكم يُذلّه ويضطهده ويُفقره في وقت واحد، وإمّا أن يفرّ يائساً إلى أوطان يصدّه عنصريّوها، وإمّا أن يُحسَب خائناً وعميلاً. لكنّه يستطيع أيضاً أن يحترف الكذب والمراوغة، فيغنم رضا النظام ومعه المنافع والمكرمات وربّما المنصب.

بلغة أخرى: هو إمّا أن يُسلخ جلده أو أن ينسلخ عن جلده. إمّا أن تُسلخ نفسه أو أن ينسلخ عن نفسه.

بعد ذاك يحدّثونك عن «داعش» والتطرّف. والتطرّف ينجم، من دون شكّ، عن أسباب كثيرة معقّدة ومتفاوتة. إلاّ أنّ العيش في المسلخ الكبير يبقى أبرز تلك الأسباب، خصوصاً حين يستحكم اليأس من مغادرة المسلخ، بعد أن تفشل محاولة هدمه على رؤوس متعهّديه. والآن، وفضلاً عن الدعم الدوليّ، يتقاطر مَن يحملون الطلاء والمسامير لترميم المسلخ وتجديده، وتحويل الدم المتجمّد على الحيطان إلى إسمنت. هذا ما يُعرف اليوم بمشروع إعادة إعمار سوريّة الذي يسيل له اللعاب.

لقد أسمت «إيكونوميست» البريطانيّة، في عددها ما قبل الأخير، السوريّين «الفلسطينيّين الجدد». فهم، عندها، سيكونون شياطين المنطقة ممّن يدفعهم الظلم ونقص العدالة، مثلما دفع الفلسطينيّين قبلهم، إلى العنف والسلاح والفوضى. ربّما. لكنّ المؤكّد اليوم أنّ درعا التي كانت فاتحة الثورة لن تكون خاتمة الأحزان. فنظام الأسد يسجّل في دفتر انتقامه اسم إدلب التي تنتظر دورها. وضحايا درعا وإدلب وسواهما من المناطق السوريّة لديهم دفاترهم العديدة أيضاً، يسجّلون فيها أسماء قاتليهم، ومن يموت كثيراً مرشّح أن يُميت كثيرين.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رأينا معاملتكم للسوريين
اندريه -

أتمنى قبل أن تعظ وتفتي في الشأن السوري يا أستاذ حازم أن تكتب عن عنصرية بلدك لبنان تجاه اللاجئين السوريين عامة والتصرفات السيئة تجاه المواطنين السوريين والتي تفوق الوصف وفاحت رائحتها كل حدب وصوب. أما عن الطرف اللبناني الآخر الذي ذبح باقي السوريين بالتعاون مع النظام فحدث ولا حرج. فلتهتم بشؤون مواطنيك اللبنانيين العنصريين بدل أن تحرض بشكل صريح في مقالاتك على العنف والقتل في سوريا.