أوان عمى الألوان!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد أبوكريشة
كل المعطيات والأحداث إذا صدقنا مع أنفسنا تؤكد أن فكرة أو شعار العروبة والتضامن العربي والعمل العربي المشترك والأمة العربية الواحدة وجامعة الدول العربية.. ماتت ولم تشبع موتاً، واعترافنا أو إنكارنا لا قيمة له ولا ينفي هذه الحقيقة، وعدم استخراج شهادة وفاة للمتوفى لا ينفي أنه مات. والعالم العربي الحقيقي واليقيني اختصر تماماً في خمس دول فقط هي وحدها الحية والفاعلة، وهي الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين.. أما البقية فلا وجود لها إلا على استحياء أو ذراً للرماد في العيون أو خرجت طوعاً أو أخرجت كرهاً من المعادلة العربية.. وعندما يزور وفد حوثي العراق ويلتقي مع «الحشد الشعبي» العراقي الإرهابي وما يسمى «فيلق سيد الشهداء».. وعندما يتحدث قائد هذا الفيلق في مؤتمر صحفي علني ويعلن على الملأ أنه وأعضاء فيلقه متطوعون في ميليشيات الحوثي.. لابد أن نتساءل أين الدولة العراقية؟ وإلى من نلجأ فيها لنستوضح الأمر؟ وهل الأمر في العراق للعراقيين أم لإيران؟ ويذكرني هذا الموقف بفيلم «وا إسلاماه» عندما جاء رسول قائد التتار هولاكو إلى مصر ليسلم رسالة إلى سلطانها.. وسأل: أين عز الدين أيبك؟ فقالوا له: مات، فسأل: وأين فارس الدين أقطاي؟ فقالوا له: مات، فسأل: أين شجرة الدر؟ فقالوا له: ماتت.. فقال: «وأكلّم مين لما أحب أخاطب شعب مصر؟».
نفس السؤال يتردد الآن: مع مَن نتحدث إذا أردنا أن نخاطب العراقيين ونعاتبهم ونحتج على ما حدث؟ مع مَن نتحدث إذا أردنا أن نخاطب اللبنانيين ونحتج على سلوكيات حزب نصر الله الإرهابي؟ مع مَن نتحدث إذا أردنا أن نخاطب السوريين؟ مع مَن نتحدث إذا أردنا أن نخاطب الليبيين؟ مع مَن نتحدث إذا أردنا حتى أن نخاطب اليمنيين والقطريين؟ هل لابد أن نخاطب إيران أو تركيا أو جماعة الإخوان الإرهابية؟
الأمر جداً محزن وكئيب ومر مرارة العلقم.. يا سادة.. كونوا دولاً ولو فاسدة ودكتاتورية.. كونوا دولاً فيها كل المثالب والنقائص.. فقط كونوا دولاً يمكن للمرء اللجوء إليها ومخاطبتها إذا شذ فريق منها وحاد عن الطريق.. كونوا دولا يمكن حتى أن يقدم لها المرء مذكرة احتجاج على فعل مشين.. كونوا دولا لا كيانات ميليشياوية فسيفسائية لا ترى بالعين المجردة.. ما معنى جامعة الدول العربية؟
ما معنى أن تتحرك جحافل الإخوان في كل اتجاه وتقيم الدنيا وتقعدها لمجرد أن شائعة كاذبة ومغرضة تقول إن هناك اتجاهاً للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية؟ وتكيل الاتهامات والافتراءات ضد زعماء عرب بمصطلحات سخيفة ومستهلكة وبالية، مثل العمالة والانبطاح وبيع قضية فلسطين، بينما لا تحرك هذه الجماعة التخريبية أي ساكن إزاء التحالف الاستراتيجي الواضح والحقيقي والمعلن بين تركيا وإسرائيل؟ وبين قطر وإسرائيل؟ وبين إيران وإسرائيل (وإن كان تحالف إيران ليس معلناً)؟ بل ما معنى أن تصمت هذه الجماعة التي ضربت الأمة في مقتل عندما أراد «إخوان» مصر إبان حكمهم الأسود بيع سيناء وتوطين الفلسطينيين فيها حلاً للصراع مع إسرائيل؟ وعندما أرسل محمد مرسي خطاب تعيين السفير المصري في تل أبيب إلى شمعون بيريز رئيس إسرائيل وقتها موقعاً بـ«صديقك الوفي محمد مرسي»، خروجاً على كل الأعراف الدبلوماسية في كل المناسبات؟ ماذا فعلنا ومع مَن نتحدث عندما يتحالف حزب «الإصلاح» اليمي الإخواني السني مع ميليشيات الحوثي الشيعية ضد الشعب اليمني وضد التحالف العربي؟ مع مَن نتحدث عندما مارست قطر الطعنات في ظهر التحالف العربي باليمن لمصلحة الحوثيين، وهي عضو في هذا التحالف؟ مع مَن نتحدث إذا صار العداء الحمساوي الفتحاوي أشد وطأة من عداء الطرفين لإسرائيل؟ كيف يمكن الحديث عن «حل الدولتين».. إسرائيل وفلسطين بينما فلسطين دولتان متعاديتان متصارعتان إحداهما في غزة والأخرى في الضفة الغربية؟
كل هذه الأسئلة لا جواب لها والوضع العربي كله أصبح عصياً على الفهم وعلى الحل.. فلا أحد يفهم أن قضية سوريا عربية بينما أخرج العرب تماماً من معادلتها وصارت في أيدي إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.. والمضحك أنهم ما زالوا يسمون ما يحدث في سوريا ثورة.. وهي حرب بالوكالة وقودها السوريون ومديروها ومدبروها قوى دولية وإقليمية.. لا أحد يريد أن يفهم أو هو يتغابى عن أن إسرائيل انتصرت دون أن تطلق رصاصة واحدة وأن النصر تحقق لها بأيدي العرب الذين يقتلون بعضهم بالوكالة.. لا أحد يريد أن يفهم أن إسرائيل انتصرت بغباء وحماقة العرب.. وأن إسرائيل شئنا أم أبينا عدو لكنها عدو عاقل، مقارنة بأخوة جهلة وحمقى وعملاء وخونة.. وأن المسألة لم تعد عربية على الإطلاق ولا حتى إسلامية، لكنها طائفية وميليشياوية، وأن كثيراً من العرب جنود لتركيا وإيران، وأن القرار في كثير من الكيانات الميليشياوية العربية يأتي من طهران أو أنقرة أو حتى تل أبيب.. وأن العلاقة عفوية وتحالفية بين الإخوان وإيران وتركيا وإسرائيل.. وأن الإخوان نسخة عربية إسلامية من الماسونية والصهيونية.. وفي نهاية المطاف لا يكاد يرى أي ضوء في نهاية النفق العربي المظلم لأن العرب يستيقظون متأخرين بعد فوات الأوان ويخدعون أنفسهم بأخوة مزيفة ومجاملات سخيفة ورذيلة الإنكار، فالحريق مشتعل ويكاد يأتي على الأخضر واليابس وما زال العرب ينكرونه ويظنونه نوراً وضياءً.. إنها حبوب الهلوسة بالعروبة والأخوة والتضامن والعمل المشترك التي يتعاطاها العرب، وتجعلهم يصدقون أكذوبة العروبة.. إنه مرض عمى الألوان والاستيقاظ بعد الأوان!