المغرب.. منظومة العدالة ومسار الإصلاح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خالد الشرقاوي السموني
يعد إصلاح منظومة العدالة المحور الأساسي الذي يستأثر اهتمامات الساهرين على هذا القطاع، ويشكل إحدى الأولويات في السياسة العامة لبلادنا، وهو مكون أساسي من مكونات الإصلاح الشامل التي توليها وزارة العدل أهمية خاصة، من خلال برامجها ومشاريعها التطويرية والإصلاحية.
إن بلادنا حققت إنجازا تاريخيا تجلى في إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمقتضى دستور 2011 وإصدار القانون التنظيمي المنظم له؛ وهو ما سيسهم في تأسيس لسلطة قضائية حقيقية قوية ومستقلة وكفيلة بتحقيق الأمن القضائي وصون حقوق الأفراد والجماعات والدفاع عن كرامتهم. كما نص القانون المنظم للسلطة القضائية على استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية حتى تكون في منأى عن أي تأثير، وهي تجربة مهمة وامتحان كبير لبلادنا.
وعلى الرغم من استقلال السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية، فإن مبدأ التعاون ينبغي أن يبقى قائما بين السلطتين، وستكون وزارة العدل داعما أساسيا للسلطة القضائية لأداء دورها على أحسن وجه وفي ظروف جيدة، وأيضا شريكا رئيسيا لها في مسلسل تخليق جهاز القضاء وخدمة الرسالة النبيلة والخلاقة للعدالة.
وفي هذا الخصوص، يجب الاعتراف بأن وزارة العدل في ظل الحكومة الحالية أسهمت بشكل كبير في إرساء قواعد هذا الاستقلال بمقاربة تشاركية وبانسيابية تامة وبروح من التعاون هدفها المصلحة العامة لبلادنا.
كما أن وزارة العدل تبذل مجهودات كبيرة في سبيل تحديث الإدارة القضائية ورقمنتها، وتبسيط الإجراءات الإدارية والقانونية، لتقديم خدمات ذات جودة عالية وبأقل تكلفة للمواطن، سواء بصفته متقاضيا أو مرتفقا في أحسن الظروف؛ وهو مؤشر واضح على أن الوزارة منخرطة في مشروع الحكومة الرقمية وتسير بخطوات واثقة نحو المحكمة الرقمية خلال السنوات المقبلة للولاية الحكومية الحالية.
هذا مع العلم، أن المحكمة الرقمية ستلعب دورا مهما في إشاعة قيم الشفافية والنزاهة وتكريسها، وضمان الحق في المعلومة القضائية، بما يحد من بعض الممارسات السلبية التي تسيء إلى أداء مرفق العدالة.
كما ينبغي الوعي بالإكراهات التي تواجه عملية الإصلاح، والأخذ بعين الاعتبار كل الظروف المحيطة والمؤثرة في منظومة العدالة، سواء القانونية أو الإجرائية أو البشرية أو اللوجستيكية، وسواء الداخلية أو الخارجية، التي يفرضها الواقع والممارسة.
وهذا يستدعي إعادة النظر في كثير من التشريعات، نذكر على رأسها: قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية والقانون المنظم لمهنة الخبراء، وغيرها من النصوص التنظيمية المتعلقة بتبسيط الإجراءات والمساطر، بغية تقريب مرفق القضاء من المواطن، والتسريع في إنجاز الملفات المعروضة على المحاكم وإصدار الأحكام داخل آجال معقولة مع الحرص على جودتها وتنفيذها.
وأيضا لا ننسى الجانب المتعلق بأنسنة التشريعات سواء الجناية أو المدنية أو الاجتماعية، حتى تكون متماشية مع الوعي الحقوقي في المجتمع واعتماد مقاربة النوع في إعدادها وصياغتها، وهي إرادة تجسدت، على سبيل المثل لا الحصر، في قانون خطة العدالة الذي أتاح للمرأة المغربية، ولأول مرة، الحق في ولوج مهنة العدول، وكان ذلك سنة 2017؛ وهو قرار شجاع، منسجم مع الشريعة الإسلامية السمحاء، ومكرس لحقوق المرأة.
كما لا يغيب عن أذهاننا الدور المهم والأساسي الذي قد تؤديه جمعيات القضاة والهيئات المهنية القضائية وهيئات المحامين والنقابات وهيئات المجتمع المدني في تكريس مبادئ الأمن القضائي وتنزيلها على الأرض الواقع؛ وهو ما يقتضي الدعوة إلى انخراط كافة الفعاليات الأخرى المهتمة بالشأن القضائي وحقوق الإنسان للعمل على دعم القضاء وبنيته على أكمل وجه في سبيل تحقيق استقلال وأمن قضائي شامل.
وختاما، لا بد من الاعتراف بأن إنجازات مهمة مرتبطة بإصلاح القطاع قامت بها وزارة العدل خلال فترة وجيزة منذ تنصيب الحكومة الحالية، وهناك أوراش كبرى تنتظرها خلال السنوات المقبلة. كما لا نبخس، في هذا الصدد، المجهودات الكبيرة المبذولة سابقا، خاصة تلك المتعلقة بالحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة التي هيئت الظروف المواتية لمشاريع الإصلاح.