جريدة الجرائد

إدلب بعد حوران!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

رياض نعسان أغا
 

تتجه الأنظار إلى إدلب بعد أن أحرز الروس انتصاراً في حوران التي كانت عقدة صعبة يعجز النظام وحلفاؤه عن مواجهتها على الأرض، فواجهها الروس من السماء، ثم عرضوا على المقاتلين حلاً مؤقتاً يضمن عدم دخول النظام إلى مناطق عديدة تقع ضمن الاتفاق، ويبدو أن هذا كان أفضل المتاح لتجنيب الشعب مزيداً من شلالات الدم، ومن التشرد الذي جعل نحو 370 ألف مواطن يعيشون حالة مزرية على الخط الحدودي جنوباً، ولم تعد المقاومة تجدي أمام كثافة النيران التي أوشكت أن تلتهم حوران، وكان الحل المؤقت (ريثما يتحقق الحل السياسي النهائي المرتقب) قراراً متفقاً عليه دولياً بمباركة من الولايات المتحدة التي تخلت عن ضمانها لفصائل حوران.

والوضع في إدلب أشد تعقيداً، لاسيما أنها باتت ملاذ كل المقاتلين والمعارضين الذين هُجِّروا إليها وإلى الشمال السوري قسراً، والمفجع أن فيها فصائل «هيئة تحرير الشام» (النصرة) التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. وبرغم أن إدلب أدخلت من خلال لقاءات آستانة في مناطق خفض التصعيد، وباتت تركيا وروسيا وإيران دولاً ضامنة، فإن الاتفاق ذاته لا يشمل الفصائل الإرهابية داخل مناطق خفض التصعيد وخارجها، وقد يكون هذا الاستثناء بوابة للتدخل العسكري في محافظة إدلب.

وقد ظهرت تسريبات عديدة تحذر من أن يكون الهجوم على إدلب ومناطق الشمال الداخلة في «خفض التصعيد» خلال شهر سبتمبر المقبل، ويستبعد كثير من المحللين أن يكون الحل في إدلب عسكرياً لأن أي هجوم على إدلب سيعرِّض أكثر من ثلاثة ملايين إنسان لخطر مريع، وستنشأ أمام العالم مشكلة كبرى في احتواء ملايين النازحين الذين قد لا تتمكن تركيا من فتح حدودها أمامهم، وليس سهلاً أن يصير عدد اللاجئين السوريين في تركيا سبعة ملايين من المحتاجين إلى مقومات الحياة، وفي حال الاضطرار قد تجد تركيا حلاً وحيداً هو فتح حدودها أمام ملايين النازحين الهاربين من الموت للتسرب باتجاه أوروبا التي ستعاني مشكلة جديدة، كما أن المجتمع الدولي لن يقبل بالصمت الطويل على إبادة جماعية، لأن الحرب في إدلب لا يمكن أن تحسم بسرعة مهما كانت أساليب الإبادة، فثمة جبال وعرة يمكن للمقاتلين أن يعتصموا بها لسنوات طويلة، وأن يدخلوا في حرب استنزاف مديدة، وتكرر البشرية أحداث تورا بورا.
ولم تعد إدلب مدينة محدودة السكان، كما كانت قبل عام 2011، فقد تجمع فيها ملايين المهجرين والقادمين إليها من سكان المدن السورية الأخرى، فضلاً عن المرتزقة الأجانب وأسرهم.

وتُشيع التسريباتُ حول احتمال حدوث هجوم دولي ضخم على إدلب، وريف حلب، وحماة، وريف اللاذقية، حالةً من الذعر لدى المواطنين المدنيين الذين سيكونون أهدافاً لأي هجوم. فقد اعتدنا أن يضغط النظام على أعدائه بقتل المدنيين، وأكثر الضحايا غالباً هم نساء وأطفال، كما حدث في الغوطة وسواها من المناطق التي استعادها النظام. ويعرف السوريون جميعاً أن النظام يخطط لحرب إبادة في إدلب التي أرهقته خلال سنوات الثورة، وهو يكنُّ لهذه المحافظة كراهية وحقداً قديمين، وهذا سر اختياره إدلب مجمعاً لمن طردهم وهجرهم بالباصات الخضراء، حتى أن الإعلام العالمي حذّر من احتمال كون هذا التهجير تمهيداً لتصفية المعارضين.

والسؤال على ألسنة الناس: هل سيسمح العالم للنظام بارتكاب مجزرة كبرى تكون فصل الختام المأسوي لتراجيديا مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة؟ إنني أخشى أن يشارك التحالف الدولي بهذا الهجوم، بذريعة وجود «النصرة»، لكني أدعو إلى أن يجد العالم حلاً سياسياً سريعاً ينقذ الملايين من سكان إدلب، كي لا تكون الموصل الثانية أو غروزني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف