النيل الأحمر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
أعطي النيل ألواناً كثيرة، هي في الحقيقة ألوانه: الأزرق، الأبيض، وحتى الأسمر، كما سماه شوقي. ثمة لونٌ قديمٌ جداً اختاره الرحالة البريطاني روبرت تويغر: الأحمر! ليس فقط بالمعنى المجازي لكثرة ما رافق النيل من دماء وصراعات بشرية، بل أيضاً ذلك اللون الطبيعي الذي يتخذه هذا النهر الخارق عندما يجرف التراب جرفاً مروعاً، عندما يلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق قرب الخرطوم، أوائل الصيف.
لم يُكتب عن نهرٍ قدر ما كُتبَ عن النيل: شعراً وتاريخاً ونثراً وجغرافية. لأن النيل، مثله، حكاية لا بداية لها ولا نهاية. ولعل أشهر ما كُتبَ كان نيل المؤرخ الألماني الكبير إميل لودفيغ، الذي كتب أيضاً سيرة المتوسط الأزرق الجميل، وما في حوضه من أحداث وحروب وحضارات. لكن نيل روبرت تويغر أكثر جاذبية، إضافة إلى كونه أكثر حداثة (2013).
أمضى تويغر، المتزوج من مصرية، سبع سنين في المعادي يراقب النيل، ويسافر فيه، ويسافر حوله، لينتهي إلى سيرة أعظم الأنهار، النيل الذي يربط كل شيء بكل شيء. نهر يتدفق عبر ربع مساحة أفريقيا، يبتلع على الطريق كل ما يصادفه من أنهر وجداول، ويمر بالقبائل والحضارات والبحيرات، ويصل الدلتا في مصر، ثم يكمل الدفق نحو المتوسط، وله في كل ذلك اسم واحد: النيل!
يحاول تويغر، نوعاً ما، المقارنة: لو قدّر لـ«التايمز» أن يكون في حجم النيل، لما كان مصبه في غريفيس، بل لأكمل مجراه نحو القنال الإنجليزي، ثم عبر إلى أوروبا ليصل إلى تركيا، ومنها إلى العراق، بحيث يتدفق مثل الفرات في الخليج العربي.
أحمر: «ليس النيل أبيض أو أزرق، أو حتى أخضر. هو أحمر. ولمدة قصيرة، حين يفيض النيل الأزرق فيضاناً كاملاً ويدخل النيل الأبيض ليجمعه ويعكس تدفقه مسافة خمسة أميال، تختلط حمولته من الرواسب مع المياه الشفافة للنيل الأبيض فتجعله، ولأيام فقط، نهراً من الدم الأحمر. وحين يلتقي النيل الأزرق بالنيل الأبيض في السودان، بالقرب من الخرطوم، في الزمان والمكان وفي فترة أوائل الصيف، ما هو إلا استعارة سحرية لأعظم نهر في العالم: نهر الدماء، نهر الحياة، نهر الموت. والنيلان، الأبيض والأزرق، هما نهران، رائعان، لكنهما صغيران ضمن النطاق والتاريخ. إنهما نهران كبيران في العالم. إن النيل السفلي، هو النهر الوحيد الذي يعبر الصحراء بطولها. ولكن إذا ما أخذنا الأنهر سويةً، أي الأبيض والأزرق والنيل السفلي، لعرفنا أن لدينا شيئاً مميزاً. ولهذا السبب اخترت تسمية «النيل الأحمر». إنه نظام النيل «الأعظم والأكثر تأثيراً في العالم».
إلى اللقاء