الجهات الحكومية والاستعراض الإعلامي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سطام المقرن
المتتبع للمؤشرات الإحصائية لبعض الجهات الحكومية قد يلحظ شيئا من التضارب في بعض المؤشرات التي تعتمدها هذه التقارير
كشفت وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقاري مطلع العام الهجري الحالي عن تحقيق أهداف عام 2017، وذلك بتخصيص أكثر من 280 ألف منتج سكني وتمويلي للأسر السعودية في جميع مناطق السعودية ضمن برنامج «سكني»، وفي الشهر الماضي أعلنت الإدارة العامة للمرور وجود انخفاض في وفيات الحوادث المرورية في السعودية خلال العامين المنصرمين، حيث انخفض عدد الوفيات لكل 100 ألف نسمة من 28 إلى 18.6 بواقع انخفاض تجاوز 33%.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة العدل إصدار محاكم المملكة 4482 حكم نفقة خلال الربع الثاني من عام 1439، أي بزيادة قدرها 61% عن الفترة ذاتها من العام الماضي، كما ذكرت شركة الكهرباء على موقعها الإلكتروني أنها وصلت إلى تحقيق 65% من مشتريات المواد من مصانع محلية وطنية.
وهناك جهات حكومية أخرى تعلن عن إنجازاتها وإحصائياتها ومؤشرات أدائها، وكيف أنها حققت أهداف خططها الإستراتيجية بكفاءة وفعالية، وبالطبع الجميع يفرح لمثل هذه الإنجازات لأنها في النهاية تصب في مصلحة البلاد والتنمية، ولكن السؤال المطروح هنا: ما مدى مصداقية هذه المؤشرات وهذه الإحصائيات؟ وما مدى إمكانية الوثوق بها والاعتماد عليها؟
فعلى سبيل المثال، وزارة الإسكان تقول إنها حققت أهداف 2017، وقامت بتخصيص أكثر من 280 ألف منتج سكني وتمويلي، ولكن السؤال الذي يسأله الغالبية من الناس هو: هل زادت نسبة تملك المواطنين للسكن؟ هذا بالإضافة إلى أن الوزارة ألغت عقود أكثر من 60% من مستفيدي منتج «أرض وقرض» في الرياض والشرقية وجدة والمدينة المنورة، وتمت إعادتهم إلى قوائم الانتظار!، وعليه، هل تم تحقيق أهداف الوزارة فعلا لعام 2017؟.
أما بخصوص وزارة العدل وارتفاع نسبة أحكام النفقة، فهل تم تنفيذ هذه الأحكام وفي الوقت المناسب؟ وماذا عن إنشاء المحاكم المتخصصة وتدوين الأحكام والقوانين؟ فهذه الأمور تدخل ضمن الأداء الفعلي للوزارة، وكذلك بالنسبة لشركة الكهرباء وارتفاع نسبة الاعتماد على المحتوى المحلي، فهل هذا يعني أن الشركة تشتري المواد من مصانع وطنية وبصناعة سعودية؟ وكيف تفسر الشركة زيادة الصفقات والعقود مع الشركات الأجنبية؟
إن المتتبع للمؤشرات الإحصائية لبعض الجهات الحكومية، قد يلحظ شيئا من التضارب والتفاوت في بعض المؤشرات أو البيانات التي تعتمدها هذه التقارير، أو يتراءى للمطلع أنها تتناقض مع الواقع الفعلي لهذه الجهات، كما يلاحظ أيضا على هذه المؤشرات أنها تركز على الجانب الكمي على حساب الجودة والنوعية عند استعراض منجزات الجهة الحكومية!.
قد تعمد بعض الجهات الحكومية إلى تضخيم منجزاتها وتقديم تقارير مضللة عن طريق استخدام علم الإحصاء في ظل ضعف البنية المعلوماتية وتعدد الجهات المسؤولة عن ذلك، بالإضافة إلى انعدام المساءلة، كما أن الجهات الرقابية تأخذ البيانات الإحصائية بعلاتها دون تدقيق لمدى عدالتها أو القيام بعمليات المقارنة والتحليل.
لذا فليس من المستغرب أن نرى سباقا محموما بين بعض الجهات الحكومية في تضخيم منجزاتها بالأساليب الكمية، واستغلالها في الادعاء في نجاح برامجها وسياساتها، متجاهلةً بذلك الجودة والنوعية، لأن لا أحد يسأل عنها. وليس هذا فحسب، بل إن بعض الجهات تمادت بالقول إن إحصائياتها ومؤشراتها تتماشى مع المعدلات العالمية، وبالرجوع إلى المنظمات الدولية التي تصدر هذه المعدلات نجد العكس تماما.
لعل من المناسب هنا، طرح بعض الأساليب التي تنتهجها بعض الجهات الحكومية عند إعدادها للإحصائيات السنوية لمنجزاتها وأنشطتها، بهدف توضيح عمليات التضليل والتلاعب في المؤشرات والنسب الإحصائية، وذلك على النحو الآتي:
- تغيير سنة الأساس عند المقارنة بحيث تخدم نتائج الجهة إما بالزيادة أو النقص أو إلغاء المقارنة إذا كانت النتائج في غير صالحها، والاكتفاء بالرسوم البيانية التوضيحية لسنة واحدة.
- إخفاء نوعية البيانات ودلالاتها وعرضها على هيئة أرقام كمية، أو القيام بالاختيار الانتقائي لأساليب القياس الإحصائي الذي يخدم مصلحتها فقط.
- العمل على زيادة الأرقام الكمية بشكل جزافي بسبب ضغوط الإدارة لرفع نسبة الأرقام بأي شكل من الأشكال.
- قد تعمد بعض الجهات الحكومية التي يتعلق نشاطها بالكشف أو الضبطية بالقول على سبيل المثال: «إن سبب الزيادة في إحصائية البند (000) هو انتهاج الإدارة لأساليب وسياسات وبرامج حديثة أدت إلى هذه الزيادة في حالات الكشف والضبطية»، وفي حالة النقص تقول: «نظرا لتكثيف جهود الإدارة في هذا المجال، أدت إلى وجود انخفاض في حالات البند (000)».
- تقوم بعض الجهات بإهمال الوزن النسبي أو الأهمية النسبية لبعض البنود، بحيث يتم تجاهل الخصائص المميزة لكل بند وإظهارها بشكل إجمالي حتى لا يؤثر على أدائها، وبمعنى آخر أنه يتم استغلال الزيادة في بند معين، لتغطية النقص في البند الآخر بحيث لا يتأثر الإجمالي.
وفي النهاية هناك حاجة ماسّة إلى وجود مراجعة مستقلة من قبل مركز قياس الأداء وديوان المراقبة العامة للمؤشرات والإحصائيات والتأكد من مصداقيتها، بالإضافة إلى القيام بدراسات تحليلية تتعلق بربط برامج التحول الوطني وأهداف رؤية المملكة 2030 بالتقارير السنوية، وذلك لتكوين رؤية واضحة وشاملة لأداء الجهات الحكومية ومساءلتها.