النفط لصاحبه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
استطاع العقيد معمر القذافي - ولو على مراحل متباعدة - العثور على «الحل النهائي» للمسألة الإنسانية، بعد تأملٍ عميق في أوضاع البشر. وفي مرحلة التأمل هذه، تبيّن له، مثلاً، أن «المرأة أنثى والرجل ذكر»، وأن «المرأة تحيض بينما الرجل لا يحيض»، وأطلق يومها شعارات لا تزال ترن في أذن الذاكرة العربية - وربما العالمية - كمثل أن البيت لساكنه والأرض لزارعها. وفي نظريته الكونية الثالثة، حظر اقتناء شيئين في وقتٍ واحد، فإذا كان للإنسان بيتٌ، لا يحق له أن يمتلك أيضاً سيارة تاكسي، أو بيتاً آخر. لأنه سوف يؤجر البيت الآخر ويستغل المستأجر، ويكون ذلك نوعاً من العبودية، في حين أنه جاء لتحرير الإنسان من عبوديته. لم يغيّر «الكتاب الأخضر» فقط في مفاهيم المِلكية والحياة العادية وأسلوب الحكم، بل قرر أيضاً تغيير التاريخ من هجري إلى سواه، وأعاد تسمية الأشهر كما حصل في الثورة الفرنسية، ولكن وفقاً للطقس والمناخ الليبي، ولم يأخذ في الاعتبار أن الربيع في أوروبا شتاء في البرازيل، وبالتالي، فإن الأسماء التي اختارها ليست كونية كما هي النظرية نفسها.
رفضت النظرية الثالثة كل ما سبقها من فكر وأسس منذ الفلسفة اليونانية وحتى ظهور الفاتح من سبتمبر (أيلول). أكثر ما استوقف الجماهير الكونية كان الفصل الاقتصادي في النظرية الثالثة، والذي ورد في الجزء الثاني من «الكتاب الأخضر» تحت عنوان «حل المشكلة الاقتصادية». يشدد هنا على أن أي عمل يُقام به لقاء أجر، هو عبودية كاملة وليس إلا. ويطلب لذلك أن يكون لكل مواطن حصة في الثروة الوطنية. أشاع للمواطنين التملك في كل شيء، الأرض، والطرقات، والبيوت، والنهر العظيم، وكل ما عدا ذلك، إلا شيئاً واحداً من الثروة الوطنية، فإنه لم يأتِ على ذكره إطلاقاً: إنه طبعاً النفط. ظل النفط ملكاً غير مسجّل للشعب، وللجان الشعبية، وإدارة الاستثمار الخارجية، والمصرف المركزي الموازي. وإذ نتابع الآن أخبار الحروب الدائرة في ليبيا - الجماهيرية الاشتراكية العظمى سابقاً - نجد أن كل شيء يدور حول النفط آباراً وحقولاً ومصافي وصفقات. ونفهم - إذا شئنا ذلك - لماذا بقي النفط الليبي طوال 42 عاماً سراً من الأسرار لم يظهر في الخطب، ولا في ثلاثة أجزاء من «الكتاب الأخضر»، ولا في الجبهات العالمية من أفريقيا إلى الفيلبين، ولا في المحاولات الأولى من تحقيق الوحدة العربية الكبرى، ولا حتى في إقامة المملكة الأفريقية العظمى، التي عيّن نفسه ملكاً على ملوكها.
حاول أن تتأمل مرة صور ليبيا خلف جبهات القتال والخراب والتوحش، وسوف ترى بلاداً جميلة، ومدناً بديعة، وبحراً صافياً، وجبلاً أخضر، وسهولاً فسيحة، ووطناً يمكنه أن يحتضن جميع مواطنيه في وفرةٍ طبيعية نادرة الوجود. لكن ماذا نفعل إذا كان الناس لا يريدون سوى رؤية القسم الأول من المشهد.