جريدة الجرائد

حرف المبادئ والثقافة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

علي محمد فخرو

هناك إشكالية ثقافية سياسية عند أصحاب القرار، سواء بالأصالة أو بالوكالة، في بعض أنظمة الحكم العربية، إذ لا يمكن تفسير التلاعب والتردُّد الذي يمارسه هؤلاء، بينما تجوب الشوارع الجماهير الشعبية الغاضبة أسبوعاً بعد أسبوع من دون أن ترى في الأفق حلاًّ مرضياً يلبّي مطالبها وشعاراتها الأساسية، إذ لا يمكن تفسير ذلك إلا بوجود تلك الإشكالية الثقافية التي تهيمن على عقول وضمائر أصحاب القرار.
فأصحاب القرار لا يريدون أن ينسوا الدرس الأساسي الذي غرسه الاستعمار في عقولهم قبل رحيله منذ عشرات العقود، والقاضي ببناء دولة قمعية من خلال مؤسسات غير شرعية، تحكم سكاناً ورعايا من البشر وليس من المواطنين. ومن أجل أن تحكم، وتدير بتلك الصورة القمعية عليها أن تحرف مفاهيم وتروّجها على أوسع نطاق وبشتّى الوسائل.

من أبرز التحريفات كانت القراءة الخاطئة لمعاني إطاعة وليّ الأمر، التي أسّس لها بعض علماء السّلاطين في الماضي ، ورفعوها على أنها حكمة إلهية في وجه كل من حاول قراءتها بصورة مختلفة.
ولقد بنت تلك القراءة، عبر القرون، عقلية جمعية تضُّج بالدعاء والشكر لمكرمات ولي الأمر، وتقنع نفسها بالصبر على ارتكابه الأخطاء والخطايا تجاه عموم رعاياه. ثم وجدت في بعض الفلسفات الغربية، التي تتحدث عن الضرورات الطبيعية في تكوين البشر وعن إرادة القوة وشعارات البقاء للأقوى، مجالاً آخر لتحريفات فكرية حديثة تضيفها للتحريفات الدينية الفقهية.
من منطلقات التحريفات الفكرية والدينية تلك لا يستغرب الإنسان أن تكون اقتناعات أصحاب القرار تقبل مقولات من مثل أنه لا توجد مصادر رزق معيشية كافية للجميع، ولذا فإن الصبر ضرورة من قبل المشتكين على تواجد الحرمان والفروقات في مجتمعاتهم، أو من مثل أن منطق الحياة يقوم على التزاحم والتنافس، ومن ثم صعود البعض وهبوط البعض الآخر، أو من مثل أن للقانون قدسية مجتمعية حتى لو كان قانوناً تعسّفياً غير عادل، أو من مثل أن فقر الفقراء هو بسبب كسلهم ومحدودية طموحاتهم، وليس بسبب ظروفهم الحياتية وحرمانهم من الفرص المتساوية، أو من مثل التبنّي الكامل الأعمى لشعارات وقيم وأخلاق وتابعية الرأسمالية النيوليبرالية العولمية التي لا تقبل إلا بقيم حرية الأسواق، وتنامي ثروة الأغنياء، والاستهلاك النهم المجنون الذي يؤدي إلى تراكم الديون على الطبقة الفقيرة لمصلحة مؤسسات الغنى الفاحش.
عندما تترسخ تلك المقولات في أذهان أصحاب القرار، لتصبح ثقافة تضبط قراراتهم وسلوكياتهم، وتتناقلها بقبول صامت الأوساط القبلية والعسكرية والأمنية الاستخباراتية والحزبية الفاشية، وكثير من مؤسسات الفقه المذهبي، وتباركها قوى ومؤسسات الاستعمار الناهب النهم الفاقد لقيم الضمير والأخلاق.. تنقلب تلك الثقافة السياسية إلى تكوين طبيعي مقبول لشخصية الكثيرين من أصحاب القرار.
ولذا ليس بمستغرب أن نرى ذلك التلكّؤ في اتخاذ أي قرارات أو في الإقدام على أي خطوات لإرضاء ملايين الجموع الصاخبة الغاضبة المنهكة اليائسة التي تجوب الآن شوارع مدن بعض بلاد العرب، والتي قد تجوب شوارع مدن أخرى في المستقبل القريب.
من هنا المسرحيات الهزلية اليومية بشأن تسمية رئيس مقبول للحكومة، أو تعديلات جذرية في القوانين، أو إعداد لانتخابات جديدة نزيهة تنقل المطالب الجماهيرية من شعارات إلى واقع في المستقبل المنظور.
من هنا ندور في حلقة مفرغة بين بلادات أنظمة الحكم ويأس الملايين في الشوارع.

ما يحز في النفس أن أصحاب القرار ما عادت تحركهم أو تقلقهم مشاهد ملايين الأطفال العرب الذين لا يجدون مدارس يرتادونها، ولا مشاهد الجوع والعري والسَّكن في الشوارع أو في خرائب دمار الحروب والصّراعات، ولا مناظر الملايين الهاربين إلى منافي العالم ومآسي الغربة. كل ما يهمهم هو التوازنات المذهبية والحزبية والعرقية، وعدم المساس بالامتيازات غير العادلة. ولذلك تؤجَّل القرارات أسبوعاً بعد أسبوع، وترحّل الأسماء شهراً بعد شهر، وتعقد الاجتماعات المظهرية التي لا تنتج إلا الغبار الكلامي واللُّغة الخشبية إياها التي نجحت الدولة العربية القمعية الحديثة في جعلها خطاباً يقود إلى النُّعاس، ثم النّوم، ثم السُكون الممل البائس.
إن لم تتغير بصورة جذرية تلك الثقافة السياسية المنحرفة، فإن المشهد العربي سيظلُّ يدور حول نفسه، وحول مستقبله الخازن لمفاجآت كارثية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حرف المبادئ والثقافة ...والى متى ؟
فول على طول -

يقول السيد الكاتب : أصحاب القرار لا يريدون أن ينسوا الدرس الأساسي الذي غرسه الاستعمار في عقولهم قبل رحيله والقاضي ببناء دولة قمعية من خلال مؤسسات غير شرعية..انتهى الاقتباس . ونحن نسأل السيد الكاتب والى متى حرف المبادئ والثقافة من جهتكم ؟ سيدى الكاتب لقد رحل الاستعمار منذ أكثر من سبعين عاما وأصحاب القرار فى بلادكم الميمونة لم يكن ولدوا من الأساس أما المؤسسات الغير شرعية فهى مبنية على تعاليمكم ودساتيركم ..وكم نادى الغرب المستعمر بأن تعم المساواة والديمقراطية فى بلادكم وأنتم ترفضون وتهيجون وتقولون : ديمقراطية الغرب لا تصلح لنا ...لا نقبل بالتدخل فى شئوننا الداخلية الخ الخ ...لا تنسي أن الهند واليابان والمانيا الخ الخ تحررت من الاستعمار فى نفس التوقيت الذى تحررت فية بلادكم الميمونة أين أنتم منهم الان ؟ ولماذ ؟ وما الذى يمنعكم من ارساء العدل فى بلادكم ...هل الاستعمار أم أشياء أخرى لا تملكون شجاعة الاعتراف بها ولا تملكون القليل من الصدق ؟ انتهى - سيدى الكاتب أنتم شعوب غير قابلة للتأهيل أصلا بفضل التعاليم العنصرية المقدسة التى تتعاطونها ولا شئ غير ذلك ودمتم . هل سيادتكم تقبل أن يحكمكم كردى أو مسيحى أو أزيديى مثلا ؟ أو هل يحكمكم شيعى اذا كنت سنيا أو العكس ؟ أو هل توافق أن يتساوى البشر جميعا فى بلدكم ..وهل تقبل بمساواة المرأة مع الرجل ؟ هذة أسئلة بسيطة واجاباتك عنها تؤكد مدى احرف عن المبادئ والثقافة . لا تعتقد أننى أهاجمك بل أهاجم الحرف الذى بداخل كل واحد منكم . ابحثوا فى أنفسكم أولا وبكل الصدق والشجاعة وساعتها فقط سوف تنصلح أحوالكم وما عدا ذلك تهريج وهو الحرف بعينة ولا شئ أخر .

لا حل لازمه العالم الا بخــــيار شمشون / وشمشون قادم لا محاله
عدنان احسان- امريكا -

بالله عليك تشوف شى حل ثقافي لازمتنا - ومستعدين ندفع الثمن كاش .....وطروحاتك يا سيدي وتحليلك ليس الا استعراض للازمه واليوم نظام العولمه حققوا اهدافهم ... ولكن في المقابل / اكلواا الطعم ووقعوا بالشرك - واعتقدوا انهم انتصروااا ... ولكنهم ووضعو الشعوب بخيــــــــار واخحـــد بانه لا خيار لشعرب العالم الا بخيــــــــــار شمشون ،،، و.لا حل لازمه العالم اليوم - الا بخــــيار شمشون - وشمشون سينقد العالم من تجار العولمه ... بشعار - / عليا وعلى اعدائـــــي يا رب ... وكما يقول الفيسلوف والمفكر/ كارل ماركس / الثوار عندما يثــــــورن لا يخسرون الا قيودهم ...وشمشون قادم لا محــــاله

من يوم يومكم خونة وغدارين وأحصنة طروادة يا مردخاي فول الصهيوني
بسام عبد الله -

من الطبيعي أن لا يرى، أهل الخيانة والحقد والغدر، المؤامرة والتآمر على الشعوب لأنهم جزء منها، ويدافعوا عن المستعمر ويبكوا على أقدامه وجدرانه وأطلاله، لأنهم يقدمون خدماتهم له مقابل عضمة يرميها لهم، ومن يشترك بالخيانة لا يقر بها لأنه منفذها، والتخلف الذي نحن فيه هم سببه، وعريضة زعماء الشنوديين إلى الجنرال منو أحد الأدلة على ذلك وهذا نصها : “حضرة ساري عسكر العام: إن جنابكم من قبل ما فيكم من العدل والحلم والفطنة أرسلتم تسألونا بأن نوضح لكم ما نحن به من القهر، نحن قبل الآن لم نقصد كشف جراحنا التي كانت في كل يوم تتسع شيئاً فشيئاً؛ أولاً تسليماً للمقادير وعشماً بكون كل واحد منا يرجع لذاته ويحاسب نفسه. تأنياً خوفاً من أن يقال عنا أننا نحب السجس (الظلم) ونواخد (نؤاخذ) بذلك من الحكام. ثالث ليلى (لئلا) يتضح كأننا أخصام لأخوتنا وقاصدين الشكوى عليهم ولكن من حيث جنابكم أبو الجميع وطبيب الرعايا وقد زاد علينا الحال حتى ظهرنا من جملة العصاة على أوامركم وقد قاصصتمونا لذلك فاقتضى الحال أن نستغيث بكرسيكم تعيّنوا بأمركم أناساً من أهل الفطنة خاليين الغرض ممن ترونهم أنتم يقعدوا في ما بيننا ويتبصروا في حال حسابنا وفي النهاية بعد أن يردوا الجواب لجنابكم لكم التبصر فيما تأمرون به ومع ذلك فنرجوكم بأن لا تظنوا بكوننا قاصدين بعرضحالنا الشكوى على أحد أم قصاصه بل قصاصنا نحن بوجه خاص إنكان (إن كان) يظهر كلامنا هذا بخلاف الواقع ثم إن هذا الأمر يدركه أيضاً خادمكم الخاص حضرة الجنرال يعقوب ومع ذلك لأجل طبعه الوديع محتار كيف يتصرف في مثل هذه الدعوى والله تعالى يحفظكم. من عند توابعكم المباشرين: ملطي وأنطوان”[6]، وملطي هذا كان من أكبر زعماء الأقباط وقد ظهر نجمه في أيام الاحتلال الفرنسي لمصر وقد تولى في عهد نابليون رئاسة محكمة القضايا.. وهي أول محاولة لتنحية الشريعة الإسلامية في مصر لأن هذه الهيئة كانت تتكون من اثني عشر تاجراً نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من النصارى وأسند منصب رئيس المحكمة إلى قاضي قبطي هو الملطي الموقع على العريضة السابقة للجنرال مينو الذي خلف كليبر في الحكم.. وكذلك صديقه أنطوان الذي كانت تلقبه عوام المصريين بأبي طاقية وكان من كبار زعماء الأقباط وأكثرهم غنى، وأما الجنرال يعقوب فهو نفسه المعلم يعقوب حنا رجل الاحتلال الفرنسي وخادمهم المخلص الذي رحل معهم إلى فرنسا. وهذا ما سيفعله البابا تو